اخبار وتقارير
مركز للتعايش بين الأديان.. مشروع تخرج معماري الأول من نوعه في عدن
رغم أن المشروع يعتبر الأول من نوعه على مستوى قسم المعمار في كلية الهندسة بجامعة عدن؛ إلا أن فكرته قوبلت في بداية طرحها بالرفض من الدكاترة أعضاء لجنة تقييم مشاريع التخرج بالكلية، كما أبدوا تحفظات في عدة جوانب من المشروع، ومع ذلك أصرت المهندسة المعمارية/رؤى نعمان على الإقرار الأكاديمي له، وعدم التنازل عنه، وكسبت في صفها الدكتور المشرف عليه؛ لتقتنع اللجنة فيما بعد. مشروع التخرج عبارة عن مركز للتعايش بين الأديان، يضم الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، والمتمثلة بـ المعبد والكنيسة والمسجد، إضافةً لمركز؛ لممارسة أنشطة ثقافية اجتماعية فنية ترفيهية، تبلغ المساحة الكلية للمشروع 128723.61 متر مربع، ويحتل الجزء المبني منها 56448.38 متر مربع، وتم تخطيط المساحة المتبقية لغرض الاستخدام كمواقف للسيارات، ومسطحات مائية، ومساحات خضراء، وأماكن مخصصة للجلوس، ورشحت م. رؤى حديقة "عدن الكبرى" موقعاً لتنفيذ المشروع، وذلك لعدة أسباب، لعل أهمها أن الحديقة في مديرية خورمكسر التي تتوسط مدينة عدن. يضم المركز الثقافي الاجتماعي صالات وحجرات كبيرة للمسرح والسينما والموسيقى والرقص والرسم والرياضة، وصالة أخرى يتوفر فيها خدمة الانترنت، وكذا مكتبة ومطعم ومتحف، وجزء خاص بمكاتب إدارة المركز وغرف لإقامة الموظفين. يُقسم المركز بممرات عريضة، "بازارات" ، يتوزع على امتداد جانبي كلاً منها محلات صغيرة متنقلة؛ لبيع الكتب المقدسة والرمزيات والمدلولات المتنوعة ومختلف الكتب الدينية. وتشير م. رؤى أن تحول مدينة عدن إلى منطقة حرة حلم قائم منذ سنوات، وذلك احياءً لما كانت عليه في الزمن الماضي، وتقول: "إذا تحول المشروع إلى حقيقة؛ فإن متطلباته كثيرة، أهمها توفير الخدمات اللازمة لكل الوافدين إلى المدينة من كل أنحاء العالم، والذين يمثلون ثقافات وديانات ومعتقدات مختلفة، وبشكل خاص سيتطلب الأمر توفير ما تحتاجه كل جماعة دينية؛ كمساجد وكنائس ومعابد، لذا تقتضي الفكرة جمع هذا الخليط في مكان واحد"، ويعود المشروع بعدة فوائد، تتمثل بتنشيط القطاع السياحي في عدن، وجذب الاستثمارات، والمساهمة بتوطيد العلاقات بين مختلف البشر بصرف النظر عن انتماءاتهم العقائدية والعرقية، إلى جانب السمعة التي ستكتسبها عدن على مستوى العالم كمدينة للتعايش بين الأديان والقوميات. جمع المشروع بين التصميم التقليدي والحضري؛ فالتصميم التقليدي تمثل ببروزات ونقوش كل ديانة بتفاصيل النوافذ والمداخل والجدران في دار العبادة الخاص بها، واُستخدم الزجاج الملون في الكنيسة، الذي بدوره يعكس أشعة الشمس الساقطة بظلال ملونة تعطي روحانية، بينما جمع المركز الثقافي الاجتماعي بين التصميم التقليدي والحضري، من حيث ميلانه ونوعية مواد البناء، وكذا نوعية الزجاج والنقوش والزخارف، إضافةً لتفاصيل النقوش والزخارف الإسلامية التي وُضعت أمام الزجاج، وظهرت بها واجهات المركز، وعكست أشكالها بظلال داخل الأروقة والحجرات والصالات من أشعة الشمس الساقطة عليها، ومن الجماليات المعمارية التي يتمتع بها المشروع، المعلم التجميعي المتمثل بـِ "نافورة"، والتي تبعد أمتاراً من مدخل المركز، وبالمنظور الجانبي فإن المعلم يتكون من مجموعة أهلة –"الهلال" رمز للإسلام، مقتربة ومتداخلة أطرافها مع بعضها، وبالمسقط الأفقي للمعلم فإن تقاطع أطراف هلالين متجاورين يشكل صليبين –"الصليب" رمز للمسيحية، و تقاطع أطراف الأهلة مجتمعة تشكل نجمة سداسية – "النجمة" رمز لليهودية. استوحت م. رؤى فكرة مشروع تخرجها من رمز السلام، الرمز المعروف عالمياً (☮) الذي صُمم في الأصل لحركة نزع السلاح النووي البريطانية، بواسطة الفنان والمصمم/جيرالد هولتوم عام 1985م، الرمز عبارة تركيب من إشارات مجمعة لأعلام الإشارة (semaphore) للحرفين اللاتينيين "N" و"D" - يرمزان للكلمة الإنجليزية (Nuclear Disarmament)، ومعناها "نزع السلاح النووى، يتم تكوين الحرف "N" في أعلام الإشارة بشخص يحمل علمين في شكل حرف "V" مقلوب، ويتم تكوين الحرف "D" بتوجيه علم للأعلى وعلم للأسفل، وبجمع العلامتين يتكون شكل مركز رمز السلام، وصار الرمز شارة لحملة نزع السلاح النووي، وارتدائه علامة دعم للحملة ولنزع السلاح، وأنتشر إلى ما بعد الحركة، وتبنته الحركة المناهضة للحرب، وفي نهاية الستينات صار رمزاً عاماُ للسلام، يتخطى الحواجز بين الأمم والثقافات. تأمل المهندسة المعمارية/رؤى نعمان، خريجة العام الأكاديمي 2013/2014م، أن يرى مشروع تخرجها النور، ويغادر أوراق التصاميم إلى أرض الواقع؛ ليقف مشيداً، كما تأمل أن تجدد عدن المدينة تلك العقود التي كانت خلالها نقطة ارتكاز وملتقى لكافة الديانات والأعراق والجنسيات، التي ذابت وتداخلت فيما بينها، وصارت جزءً لا يتجزأ من تاريخ المدينة الكوسموبوليتية؛ لتستقبل وتتقادم عليها مختلف الأمم والشعوب؛ شكلت معاً مجتمعاً إنسانياً عظيماً، حمل تعدداً وتمازجاً دينياً وفكرياً وحضارياً، لا تزال آثاره ومعالمه شاهدةً على كل ذلك.