مال وأعمال
انهيار اقتصادي وتدمير شامل
يصحو اليمنيون بعد مرور عام ونصف عام من الحرب على وطن دمر فيه كل شيء.
وفي هذه الأثناء يتقاتل ساسته على تقاسم المناصب واقتطاع الصلاحيات ما حول هذا البلد الفقير أصلا إلى ساحة لتصفية حساباتها.
وقد كانت اليمن تعاني أصلا من أزمة إنسانية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة. بيد أن الحرب المجنونة التي عصفت بها فاقمت من تلك المعاناة وأضافت الملايين إلى قائمة الباحثين عن الغذاء وسط تدهور مريع في الخدمات الصحية والتعليمية والانهيار الاقتصادي الذي لم تعرفه من قبل.
ووفق تقرير أعدته هيئات دولية، فإن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية كان شاملا، حيث تضررت أكثر من 1671 مدرسة في 20 محافظة تعرضت لأضرار: منها 287 مدرسة تحتاج إلى عمليات بناء رئيسة وتستغل 544 مدرسة أخرى كمراكز إيواء للنازحين، بينما تحتل الجماعات المسلحة 33 مدرسة.
وبدا أن 900 من 3652 منشأة تقدم خدمات التطعيم ضد الأمراض لم تكن تعمل في مطلع العام الجاري. الأمر الذي تسبب بترك 2.6 مليون طفل تحت سن الخامسة عشرة عرضة للإصابة بالحصبة.
فينا تشير تقارير منظمات دولية اخرى إلى أن هناك مخاوف جدية من انهيار وشيك للنظام الصحي مع إعلان وزارة الصحة عن عدم قدرتها على توفير النفقات التشغيلية للمستشفيات والمرافق الصحية في عموم الجمهورية بعد تخفيض كثير للنفقات كأحد الآثار المترتبة على الصراع القائم، وانخفاض حاد في الموارد المالية على المستوى الوطني.
وتشير التقارير إلى أن الحكومة اليمنية كانت تتكفل بشراء اللقاحات الروتينية وتقديمها مجاناً إلى ملايين الأطفال. ولكنها أصبحت غير قادرة على القيام بذلك. ولا تقتصر المشكلة على هذا فقط، بل تمتد إلى مسألة حفظ المخزون من اللقاحات، لأنها تحتاج إلى مخازن تبريد. ومع انقطاع التيار الكهربائي، فالأمر يتطلب توفير الوقود، وهذا ما تكفلت به منظمة اليونيسيف والصحة العالميتان.
وإذا كان من المؤكد أن الوضع الصحي في البلاد لم يكن مثاليا قبل هذه الحرب، فإنه تعرض لهزات كبيرة. إذ تقدر منظمات الأمم المتحدة العاملة في قطاع الصحة أن قرابة ١٥ مليون مواطن، نصفهم من الأطفال، باتوا يفتقرون إلى خدمات الرعاية الصحية الأولية، أو أنهم غير قادرين على الحصول إليها؛ إما بسبب انعدام الأمن واستمرار الصراع والمواجهات المسلحة، أو تعرض عدد من المرافق الصحية للقصف أو الاستخدام من قبل أطراف الصراع، أو لنزوح الكوادر الطبية، أو لغياب، أو نقص الأدوية.
وتشير التقارير إلى أن نزوح الناس من مناطق الصراع شكل ضغطاً على الخدمات الصحية المتواضعة في الأساس في المجتمعات المضيفة للنازحين. إضافة إلى أن ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع كلفة المواصلات بسبب ارتفاع أسعار الوقود جعلا الأسر تكافح لتوفير لقمة العيش قبل البحث عن الدواء.
وتقدر اليونيسف بالاشتراك مع مجموعة العمل لقطاع الصحة ومنظمة الصحة العالمية وعدد من المنظمات الدولية والمحلية ووزارة الصحة أن قرابة 10 آلاف طفل ماتوا عام 2015 بسبب أمراض كان يمكن الوقاية منها، والسبب الرئيس هو استمرار الحرب التي ألحقت ضرراً بالغاً بالنظام الصحي كأحد أهم الأنظمة الوطنية في البلاد.
ورصدت الجهات الدولية توقف أكثر من 600 مرفق صحي عن العمل في عموم البلاد، وقالت إن سوء التغذية يهدد حياة ما يصل إلى مليون ونصف مليون طفل على الأقل - ٣٧٠ ألف طفل منهم يعانون من سوء تغذية حاد وخيم قد يؤدي إلى وفاة الأطفال.
وقد زاد عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم بسبب تدهور النظام الصحي من جراء استمراره بأكثر من الضعف، مقارنة بالإحصاءات المعلن عنها مطلع ٢٠١٥ قبل تدويل الصراع القائم.
ومع استمرار الصراع وتباين الفرقاء حول الحلول السياسية. يأمل الملايين من اليمنيين أن يتفق الساسة على حلول سريعة وعاجلة تنهي الحرب وتتيح الفرصة لإنقاذ الوضع.
لكن ذلك لا يبدو ممكنا في الوقت الراهن، وهو امر سيفاقم من الأوضاع المتدهورة أصلا، وسيقضي على ما تبقى من مقومات البقاء على قيد الحياة.
*روسيا اليوم