اقتصاد واستثمار

لعنة «أبل» تضرب الصغار الدائرين في فلكها

التنمية برس: متابعات

الأعمال تزدهر في سيروس لوجيك، شركة صناعة رقاقة الصوت التي يوجد مقرها في تكساس. المبيعات تنمو بنسبة تزيد على 25 في المائة للعام الثالث على التوالي وأسهمها ارتفعت 70 في المائة خلال الـ12 شهرا الماضية.
لكن على الرغم من تشغيل شركة عامة بقيمة سوقية تبلغ أربعة مليارات دولار، إلا أن الرئيس التنفيذي، جيسون رود، يجهَد في سبيل أن يشرح للمستثمرين التفاصيل الدقيقة لنتائجه المُثيرة للإعجاب. على الرغم من أن زبونا واحدا يُمثّل ثُلثي إيراداتها السنوية -وما يصل إلى 85 في المائة في الربع المُنتهي في كانون الأول (ديسمبر)- إلا أن رود لم يجرؤ أبداً على ذكره بالاسم.
في كل مكالمة بشأن الأرباح الربعية، يُقدّم رود العبارة نفسها، المُصاغة بعناية: "نفهم أن هناك اهتماما كبيرا يتعلّق بأكبر زبائننا، لكن وفقاً لسياستنا، نحن لا نُناقش التفاصيل بشأن علاقاتنا التجارية".
بالطبع، كل مستثمر في سيروس يعرف أن الزبون الذي لم يُذكر اسمه هو "أبل"، الشركة الرائدة في صناعة الهواتف الذكية من حيث المبيعات في العالم. عندما كشفت أبل عن الطلب القوي على جهازها الجديد، آيفون 7، في منتصف أيلول (سبتمبر)، ارتفعت أسهم سيروس 8 في المائة خلال يوم واحد. لكن سرية أبل التي تتسم بالهوس، جنباً إلى جنب مع المطالب الشديدة التي تفرضها على شركات التصنيع التي تعمل معها، والمنافسة للانضمام إلى صفوفها، تعني أن المورّدين الذين تتعامل معهم لا يجرؤون على ارتكاب أي خطأ. رعاية أبل تعد نعمة عندما يسير كل شيء بشكل جيد، لكن سرعان ما يُمكن أن تُصبح لعنة. عواقب الانفصال يُمكن أن تكون مدمرة، وهو أمر اكتشفته الأسبوع الماضي "إيماجينيشن تكنولوجيز"، شركة تصميم الرقائق المُدرجة في لندن. كانت مُعالجات الرسوم التي تنتجها إيماجينيشن جزءا أساسيا في جهاز الآيفون منذ إطلاقه أول مرة قبل عقد. لكن أسهمها خسرت ما يُقارب ثُلثي قيمتها مطلع الأسبوع الماضي عندما كشفت شركة صناعة الرقائق أن أبل "تعمل على تصميم رسوم منفصلة ومستقلة من أجل السيطرة على منتجاتها، وستعمل على تقليل اعتمادها في المستقبل على تكنولوجيا شركة إيماجينيشن". كان ذلك واحدا من أعجب ردود الأفعال على سعر السهم بالنسبة لشركة بريطانية كبيرة -بقيمة 754 مليون جنيه في السابق- منذ عقد من الزمن.
علاقة إيماجينيشن مع أبل كانت تتسم بالاضطراب منذ فترة لا بأس بها. في أوائل العام الماضي، وسط خسائر كبيرة، عندما كانت تعاني في سبيل التكيّف مع تباطؤ سوق الهواتف الذكية، تركها رئيسها التنفيذي الموجود منذ فترة طويلة، السير حسين ياساي. وبعد وقت قصير، تبيّن أن أبل التي تملك حصة 8.1 في المائة في شركة صناعة الرقائق كانت قد ناقشت الاستحواذ على إيماجينيشن صراحة، لكن في نهاية المطاف قررت عدم تقديم عرض.
اليوم، لا تزال أبل تُمثّل أكثر من نصف إيرادات إيماجينيشن، لكن في غضون عامين تنوي "عدم استخدام المُلكية الفكرية في المجموعة"، كما قالت إيماجينيشن في بيانها.
جين مونستر، محلل أبل منذ فترة طويلة، الذي هو الآن مستثمر في رأس المال المُغامر في "لوب فينتشرز"، يُقارن الاستثمار في شركات التوريد التي تتعامل معها المجموعة بأنه يشبه لعبة "الروليت الروسية". يقول: "إنها الصفقة الكلاسيكية مع الشيطان. تعرف أنك ستدفع ثمنا لذلك، سواء تم التخلّي عنك تماماً أو تقليص أرباحك".
توقف أبل المفاجئ قد يبدو أنه يتسم بعدم الرحمة، لكنه يُظهر كيف تتحرك المجموعة لامتلاك مزيد من التكنولوجيات الأساسية التي تقع في قلب منتجاتها. من خلال مثل هذا التحوّل الجذري والدخول في قطاع مُعالجات الرسوم، تُسيطر أبل على مكوّن ضروري ليس فقط للفيديو والألعاب، لكن لاثنين من توجهات التكنولوجيا المقبلة الكبيرة: الذكاء الاصطناعي والواقع المُعزز.
لن يكون في هذا عزاء يذكر بالنسبة لشركة إيماجينيشن، التي تواجه ما يدعوه أحد المحللين لحظة "البجعة السوداء" الخاصة بها. لكن بالنسبة لكثير من شركات التوريد التي من هذا القبيل، النمط مألوف جداً.
كتب محللو مورجان ستانلي في مذكرة للعملاء الأسبوع الماضي: "هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في سلسلة توريد أبل ويُذكّرنا بأن تخفيض القيمة ينبغي أن يُطبّق على تقييمات المورّدين الذين تتعامل معهم أبل". أبل رفضت التعليق على المذكرة.
الضحية المُبكرة كانت "بورتال بلاير"، شركة تزويد تكنولوجيا الصوت لجهاز الآيبود، التي كانت تعتمد على أبل في نحو 90 في المائة من مبيعاتها. في كانون الأول (ديسمبر) 2005، كانت "بورتال بلاير" تصعد عالياً على نجاح مُشغّل MP3 من أبل، وكان رئيسها التنفيذي يقول إنها "في موقع جيد للعام المُقبل" بفضل علاقتها "القوية" مع "زبائنها الرائدين" الذين لم يُكشف عن أسمائهم. بعد أربعة أشهر فقط، تحوّلت أبل إلى مورّد آخر وخسرت الشركة نصف قيمتها تقريباً بين عشية وضحاها. وقبل انتهاء العام، بيعت بورتال بلاير لشركة صناعة رقائق الرسوم، "نفيديا".
نتيجة لذلك، شركات التصنيع المُدرجة في البورصة التي تحسب أبل زبونا، تميل إلى التداول بمضاعِفات أقل من أقرانها، كما يقول المحللون. في وول ستريت، هذه الظاهرة معروفة باسم "تخفيض القيمة بسبب أبل". في أيلول (سبتمبر) الماضي، لاحظ محللون في "آر بي سي كابيتال ماركيتس" أن 10 من 11 مورّدا يجنون إيرادات كبيرة من أبل كانوا يشهدون إجمالي هوامش أرباحهم يتقلّص. قالت "آر بي سي" في مذكرة في الوقت نفسه: "نحن نعتقد أن أبل كانت تضغط من أجل تخفيض الأسعار من عدة مورّدين"، لتخفيف الزيادات في تكاليفها بسبب تقلّبات أسعار العملات.
لكن حتى بالنسبة لمورّدين يعرفون المخاطر، توقيع عقد مع أبل يُعتبر علامة هيبة تجلب زبائن آخرين، وتجلب أيضاً أحجاما ضخمة - تبيع أبل أكثر من 240 مليون جهاز آيفون هذا العام، وفقاً لعدد من المحللين.
يقول مونستر: "أفضل شيء هو إبرام الصفقة مع أبل بأي حال. على الرغم من أنك من المرجح أن تتعرض للضغط في النهاية، إلا أنك ستحصل على ثلاثة أعوام رائعة ربما لم تكُن ستحصل عليها لو لم تُبرم الصفقة".
مع ذلك، أخبار مأزق إيماجينيشن تُثير المخاوف على طول سلسلة توريد أبل. قال مسؤول تنفيذي في إحدى الشركات التي عملت مع شركة صناعة جهاز الآيفون لعدة أعوام: "الشركات التي تعمل معها في مجالات معينة تُكافح فعلاً للحصول على التمويل، بسبب المخاطر. كل مصرف يضع كل من يبيع إلى أبل على قائمة المراقبة الآن. التأثير السلبي على سلسلة توريد "أبل" ضخم".
إيماجينيشن هي حالة متطرفة لأن أبل لا تتحوّل فقط إلى مورّد آخر بل تأخذ التكنولوجيا نفسها لتتولى هي تصنيعها. مع ذلك، صناعة الرقائق ليست مسعى جديدا بالنسبة لأبل. فمنذ استحواذها على "بي آيه سيمي" في عام 2008، طوّرت خبرة هائلة في صياغة العقول الإلكترونية الصغيرة داخل أجهزتها.
فضلاً عن مُعالجات السلسلة A التي تعمل على تشغيل أجهزة الآيفون وأجهزة الآيباد، تملك أبل رقائق خاصة مُصممة خصيصاً تعمل في ساعتها وسماعات إيربودز اللاسلكية الخاصة بها. ويرى محللون أن هذا يُمثّل ميزة استراتيجية رئيسة بالنسبة للشركة، لأن الموارد الضخمة اللازمة لصناعة مُعالجات مخصصة تضعها بعيداً عن متناول كثير من المنافسين.
لكن استحداث وحدة مُعالجة الرسوم هو أمر أكثر تعقيداً وطموحاً من أي شيء تحاوله أبل حتى الآن. إلى جانب إيماجينيشن، مجموعة صغيرة من الشركات، بما فيها نفيديا، وآيه إم دي، وكوالكوم، وآرم، التابعة لسوفت بانك، قادرة على إنتاج التكنولوجيا بحجم حقيقي. وكانت أبل باستمرار تتصيد الموظفين من إيماجينيشن في الوقت الذي تتعلم فيه صقل مُعالجتها الجاهزة. يقول جيوف بليبر، المحلل في "سي سي إس إنسايت": "أبل أثبتت بشكل جيد للغاية أن رقائقها يُمكن تحسينها جيداً للوظائف المحددة في جهاز الآيفون". ويُضيف أن التخلّص من إيماجينيشن بسبب وحدة مُعالجة الرسوم الخاصة بها يعني أن "أبل هي أبل - يُريدون التخصيص بقدر ما يُمكنهم. بالنظر إلى الاتجاهات الواضحة التي تتحرك فيها أبل، فإن وحدة مُعالجات الرسوم ستُصبح فقط أكثر أهمية".
في أجهزة الآيفون اليوم، تُستخدم مُعالجات الرسوم لتصميم ألعاب فيديو أكثر غنى وتطبيقات أكثر تطوّراً من الناحية البصرية. لكن وفقاً لأشخاص مُطّلعين على خطط أبل، الأنموذج التالي سيضم كاميرا أمامية جديدة يُمكن أن تستشعر عُمق المشهد، مثل التقاط جميع ملامح الوجه بأبعاد ثلاثية.
هذا يجعل من الممكن استخدام أساليب أمنية جديدة، مثل استخدام وجه المستخدم في فتح الهاتف بدلا من القارئ المستخدَم اليوم لبصمة الإصبع. ليس هذا فحسب، ولكنه سيجعل من الممكن استخدام سمات ومدخلات جديدة يمكن وصفها معا بصورة عامة تحت الاسم الرائج الآن "الواقع المعزز". هذا يمكن أن يعني التوصل إلى مؤثرات خاصة معقدة في الصور ومقاطع الفيديو، مثل النسخة القوية للغاية من "بوكمون جو" أو أقنعة السيلفي من سناب تشات، التي تجعل الناس يظهرون وعليهم آذان كلاب، أو تحولهم إلى شخصيات من البرامج التلفزيونية. 
ما وراء الآيفون، تبحث أبل الآن في نظارات الواقع المعزز – وهي جبهة جديدة في تكنولوجيا الأشياء القابلة للارتداء التي تنفق الشركات في وادي السليكون الآن مليارات من أجل تطويرها. يقول مونستر: "القرار الخاص بإيماجينيشن هو لفتة واضحة بالقدر نفسه صادرة عن أبل بأنها تعتبر أن هناك تغيرا عجيبا في الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع أجهزتهم. هذا يشبه الهزة الخفيفة قبل وقوع الزلزال". 
بالنسبة لشركة تتسم بالتكتم، كان رئيس أبل، تيم كوك، صريحا على غير العادة حول حماسته للواقع المعزز، حين قال إنه يمكن أن يكون "هائلا" في حجم الآيفون اليوم. قال في مقابلة مع صحيفة "الإندبيندنت في شباط (فبراير): "أشعر بالإثارة بسبب الأشياء التي يمكن فعلها التي تستطيع أن تُحدِث تحسينات كبيرة في حياة الناس وتكون قادرة على الترفيه. إنها ليست منتَجا بحد ذاته – بل هي تكنولوجيا أساسية". 
معالِج الرسومات مهم أيضا لأشياء أخرى خلاف الصور، لأن تركيبته مناسبة بشكل فريد لمعالجة كميات ضخمة من المعلومات التي تتجاوز أجهزة الذكاء الاصطناعي، التي أخذت تظهر منذ الآن في أجهزة الآيفون ضمن اقتراحات المساعد الافتراضي "سيري" والتعرف الآلي على الوجوه في الصور. 
في حين أن أبل تحلم بإنتاج تطبيقات جديدة للواقع المعزز والذكاء الاصطناعي، تواجه إيماجينيشن سيناريو كابوسيا لا يمكن أن تتعافى منه تماما سوى قلة من شركات التوريد. يقول محللون إنها يمكن أن تجتذب اهتماما متجددا من شركات تصنيع الهواتف الذكية المنافِسة، لعلمها أنها كانت تعمل مع أبل لفترة طويلة للغاية، في أنها يمكن أيضا أن تُكرِه أبل على ترخيص ملكيتها الفكرية. العوائد من الريع سوف تجلب إيرادات أقل من الإيرادات الناتجة عن مبيعات الرقائق، لكنها تحقق هوامش ربح أعلى. 
قالت الشركة الأسبوع الماضي، في استعراض لعضلاتها القانونية: "تعتقد إيماجينيشن أن تصميم هيكل جديد لمعالِج الرسومات انطلاقا من الأساسيات وبدون التعدي على حقوق ملكيتها الخاصة سوف يكون أمرا في غاية الصعوبة".
ربما يمكن أن تتعلم إيماجينيشن من تجربة شركة توريد بريطانية أخرى إلى أبل، هي شركة وولفسون لصناعة رقائق الصوت. بعد أن خسرت أبل زبونا في عام 2008، سجلت وولفسون خمس سنوات متتالية من الخسائر التشغيلية قبل أن تشتريها شركة منافسة أخرى أكبر، هي "سيروس لوجيك".

لماذا تسجل التجارة العالمية مستوى قياسي رغم تباطؤ النمو؟


لماذا تظل الشوكولاتة غالية على الرغم من تراجع أسعار الكاكاو؟


أويل برايس: النفط نحو 70 دولارا بنهاية 2026 رغم توقعات الهدوء


عاملان وراء ارتفاع الذهب والفضة إلى مستويات تاريخية