ملفات خاصة
بحلول 2030 .. 34 بلدا «عجوزا» حول العالم
إذا كنت قد قرأت كثيرا عن مستقبل العمل، فلا بد أنك التقيت بالقبيلتين الصاخبتين اللتين تسيطران على النقاش. القبيلة الأولى، أهل التكنولوجيا الذين يؤمنون بأن العمل مصيره إلى زوال، الذين تم التعبير عن آرائهم بدقة من قبل خبير أجاب على أحد الاستطلاعات: "لا أظنك جادا. أنت تسأل عن القوة العاملة في المستقبل؟ كما لو أنه ستكون هناك قوة عاملة أصلا؟". والقبيلة الثانية، أهل التكنولوجيا الذين يؤمنون بالخرافات والذين يتصورون المستقبل مليئا بوظائف جديدة مربكة للعقل: مثلا "القرصنة البيولوجية الحرة"، أو "الدليل السياحي في الفضاء".
الحقيقة العادية غير المثيرة هي أن كثيرا من وظائف المستقبل هي أيضا وظائف الحاضر. وأهمها الوظائف التي تنطوي على البشر الذين يعتنون بالبشر الآخرين. يقدم المكتب الأمريكي لإحصاءات العمل توقعات يتناول فيها 30 مهنة يعدها الأسرع نموا خلال السنوات العشر المقبلة؛ أكثر من نصفها تشتمل على شكل من أشكال الممرضة، أو المعالج، أو عامل الرعاية الصحية، أو مقدم الرعاية. هذا يبدو وكأنه رهان آمن - ليس فقط في الولايات المتحدة.
بحلول عام 2030 سيكون هناك 34 بلدا "عجوزا"، حيث يبلغ شخص واحد من بين كل خمسة أشخاص أكثر من 65 عاما. في هذه البلدان يمكن للروبوتات أن تساعد العاملين على رعاية هؤلاء الأشخاص، لكن لا يمكنها أن تحل محلهم، ولا ينبغي لنا أن نرغب في ذلك. وكما أشار الرئيس التنفيذي لشركة أديداس أخيرا، لا يمكن للروبوتات حتى ربط الأحذية حول أرجل المدربين، ناهيك عن مساعدة الشخص الضعيف في الاستحمام. وهي لا تمتلك أيا من الصفات التي تجعل البشر جيدين في رعاية بعضهم بعضا، مثل الرحمة والصبر والفكاهة والقدرة على التكيف. في رحلة إلى اليابان التقيت بروبوت صغير فوق الطاولة مصمم لمرافقة كبار السن وتذكيرهم بمواعيد تناول الأدوية. كان مفرطا في المجاملة إلى حد الإزعاج ومثيرا للاكتئاب. ولو بقيتُ معه لوحدي لمدة يوم، لكنت قد قذفت به من النافذة.
لكن النقاش حول الأتمتة يكشف عن حقيقة غريبة. الوظائف التي نتقنها نحن البشر بشكل فريد هي في كثير من الأحيان الوظائف التي لا نعطيها أهمية على الإطلاق. وظائف الرعاية الاجتماعية، مثلا، يتم تعريفها من قبل الاقتصاديين في كل مكان على أنها مهارات متدنية أو لغير المهرة. وبالنسبة لمحاسب قانوني شارك في مناقشة الأتمتة في الآونة الأخيرة، هذا أثار سؤالا وجوديا: "أتمتتي أسهل من أتمتت مقدم الرعاية أو عامل النظافة. بالتالي هل أنا حقا أكثر مهارة؟".
إنه سؤال جيد. أعمال الرعاية لا تتطلب دائما مؤهلات رسمية، لكنها صعبة ومُجهِدة وليس كل شخص لديه الصفات الفطرية لأدائها بشكل جيد.
لكن هذه ليست الطريقة التي يغلب بها على الاقتصاديين تعريف "المهارة" في العمل. في معظم الأحيان، يستخدمون تعبيرا وسيطا، مثل مستوى التعليم المطلوب لأداء الدور، أو ببساطة مدى جودة الراتب الذي يتقاضاه الشخص مقابله.
في الرعاية الاجتماعية، غالبا ما تكون الأجور منخفضة. العاملون في العناية الشخصية ومساعدو الصحة المنزلية في الولايات المتحدة يجنون ما يقارب 23 ألف دولار سنويا في المتوسط. في بريطانيا كان للضغط الذي طال أمده على الإنفاق العام آثار ضارة على العاملين في مجال الرعاية، وكثير منهم يعملون لصالح شركات خاصة تعتمد على عقود القطاع العام. في إنجلترا العام الماضي حصل 43 في المائة من العاملين في مجال الرعاية على أقل من 7.50 جنيه في الساعة.
الرعاية الاجتماعية هي أيضا القطاع الذي توجد فيه أسوأ ممارسات التوظيف. في وقت سابق من هذا العام قرأ أندي بيرنهام، عمدة مانشستر الكبرى، ورقة الدوام لعامل رعاية لم يذكر اسمه. 48 زيارة حُشِرت ضمن نوبة عمل مدتها 17 ساعة - أقصرها دامت دقيقتين. ليس هناك كثير من الرعاية، ناهيك عن التعاطف أو المحادثة التي يمكن أن تحققها خلال دقيقتين، حين يكون اهتمامك منصبا على الساعة. بعد انتهاء العمل عند منتصف الليل، بدأ العمل مرة أخرى بعد الساعة الثالثة صباحا.
إذا كانت هذه هي أسرع الوظائف نموا في الاقتصاد وبعض الوظائف البشرية الفريدة للمستقبل، فإننا بحاجة إلى تحسينها. بداية، يمكن أن نتوقف عن وصف الناس الذين يؤدون هذه الأعمال بأنهم من العاملين غير المهرة. لكن التحدي الحقيقي أمام صناع السياسة وأصحاب العمل هو كيفية إقناع دافعي الضرائب أو العملاء بدفع المزيد مقابل الحصول على خدماتهم.
بالنسبة للسياسيين الذين يشعرون بالقلق حول مستقبل العمل، يجب أن يكون هذا على رأس أولوياتهم، وليس أحدث دراسة متفجرة حول عدد الوظائف التي يمكن، أو لا يمكن، أن تتحول إلى الأتمتة بعد 20 عاما من الآن. يجدر بنا ألا نشعر بالقلق كثيرا على الوظائف التي ربما يكون مصيرها إلى زوال، وأن نشعر بقلق أكبر بشأن الوظائف التي نعلم أنها ستظل موجودة.