عندما يطلب مدير ألماني أو أمريكي جديد من مرؤوسه الآسيوي أو العربي طلباً مباشراً ومن دون مقدمات، فقد يعد المرؤوس ذلك نوعاً من الفظاظة.
ولو فعل ذلك مدير إنجليزي وحرص على أن يكتب كل طلباته، فقد يفسر العربي هذا النوع من التواصل محاولة «مبيتة لتصيد أخطاء» العاملين معه.
والسبب أن العربي أو الآسيوي يركز عادة على العلاقة الوطيدة، والثقة، أكثر من التعليمات المباشرة والمكتوبة. غير أن واقع الحال لا يعكس بالضرورة ذلك الانطباع الذي يتولد لدى الشعوب الصينية والعربية والأفريقية واليونانية والمكسيكية والإسبانية.
وقد وجد عالم الانثروبولوجيا الشهير إدوارد تي هال في أبحاثه وكتابة «ما وراء الثقافة» أن هذه الشعوب تختلف أنماط تواصلها مقارنة بشعوب مثل الألمان، والاسكندنافيين والأمريكان والإنجليز والفرنسيين والإيطاليين.
بعبارة أخرى كشف الباحثون أن الشعوب في الواقع تقع في دائرتين للتواصل مختلفتين تعكسان نمط تواصلهما. الأولى ما يطلق عليها ثقافة السياق المنخفضة low-context culture (من الألمان حتى الإيطاليين)، والتي عادة ما تحدد بوضوح ما هو المتوقع من الطرف الآخر، وتسعى إلى كتابة حواراتها إن كان ذلك ممكناً، وتمتاز اتفاقاتها مع الناس بأنها مكتوبة.
وتعد أكثر فئة ممارسة لتلك السلوكيات الألمان وأقلها الإيطاليين، والغريب أن الإنجليز والأمريكان ليسوا أكثر تشدداً من الألمان في هذا الجانب.
وعلى الصعيد الآخر، هناك فئة من الشعوب تغلب عليها «ثقافة السياق المرتفع» high-context أي أن أنماط تواصلهم تمتاز بأنها أكثر عمومية، ولا يحددون توقعاتهم بدقة من الطرف الآخر، وتغلب على اتفاقاتهم العمومية، تؤثر فيهم نبرة الصوت، والحالة الاجتماعية والمنصب، وتلعب الثقة والعلاقات السابقة مع الناس دوراً ملحوظاً في تواصلهم، وكذلك الحال مع الإيماءات الجسدية.
ما سبق من اختلافات ثقافية في التواصل مسألة في غاية الأهمية لسبب بسيط. وهو أنه كلما زاد تنوع جنسيات العاملين في بيئة العمل ارتفعت معه احتمالية المواجهات بينهم بسبب اختلاف أنماط التواصل لكل بلد. وهذا ليس انطباعاً سائداً بل هو توجه سائد أبرزته دراسات علمية رصينة. ولكل قاعدة شواذ كما يقال.
ولو رسمنا خطاً أفقياً ووقفنا في منتصفه سيكون في أقصى اليسار الألمان يأتي بعدهم على التوالي الاسكندنافيون، الأمريكان، الإنجليز، الفرنسيون، الإيطاليون.
فقد لوحظ أن الضبابية أو العمومية أقل في حواراتهم مقارنة بمن يقعون في أقصى اليمين وهم الصينيون يتبعهم على التوالي الأفريقيون، العرب، اليونانيون، والمكسيكيون، والإسبان، الذين يعيشون في دائرة تميل أكثر إلى إعطاء اعتبارات أكبر إلى عوامل الثقة والعموميات، والعلاقة السابقة، وإيماءات الجسد، ونبرة الصوت.
بخلاف المجموعة الأولى (الأوروبيون والأمريكان) التي قد تتأثر ببعض عوامل التواصل البديهية لدى الشرق، لكنهم يميلون أكثر للمباشرة وتدوين أو تحديد ما يتطلعون إليه عند التعامل أو التحاور أو التعاقد مع الآخرين.
دراسة أو فهم اختلافات الشعوب وتحديداً في التواصل صار أمراً في غاية الأهمية للقياديين والمديرين والمرؤوسين وحتى عامة الناس، نظراً للانفتاح الكبير والمتسارع الذي نعيشه.
" نقلا عن صحيفة البيان الإماراتية "