استثمار المعرفة

يُعد استثمار المعرفة الآلية أو أهم مرحلة من مراحل التحول المعرفي في مجتمعات المعرفة.

هذه المجتمعات المعرفية في أبسط تعريف لها هي تلك المجتمعات التي تقوم أساساً على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات نشاط المجتمع، الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة وصولاً بالارتقاء بالحالة الإنسانية باطراد أي إقامة التنمية البشرية.

أما الاستثمار فهو في أبسط صوره بحسب تعاريف تشريعات الاقتصاد التقليدي السابق لاقتصاد المعرفة والقائمة على المال، فإنه يعني توظيف المال في أي نشاط أو مشروع اقتصادي يعزز من المنافع المشروعة على المجتمع.

وارتباط الاستثمار بالمعرفة يجعل تعريف هذا الاستثمار بأنه توظيف المعرفة، لأنها رأس المال في الأنشطة والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي كافة شؤون الحياة، من خلال العنصر الآخر لاستثمار المال لتحقيق المنفعة المشروعة على المجتمع والمستثمر وتعزيز ورفع الدخل القومي للأفراد.

وكان لابد من علامات تدل على استثمار المعرفة بشكلها الصحيح الذي يحقق حالة التحول المعرفي، ومن هذه المظاهر ما يسمى بالحاويات الفكرية Think Tanks وبنوك الكفاءات وشبكات المراكز البحثية والحاضنات الابتكارية والإبداعية وشبكات مؤسسات المعلومات كالمكتبات ودور النشر ومراكز التوثيق وشبكات الصناعات المختلفة وغير ذلك من الشبكات، والتي تعنى باستثمار المعرفة بالإضافة إلى توليدها طبعاً.

وتتعزز مظاهر استثمار الدولة للمعرفة من خلال الإنفاق الكبير على التعليم والتدريب والتطوير في القطاعين العام والخاص.

ولما كان العالم يشهد ازدياداً مطرداً لدور المعرفة في إنتاج السلع والخدمات وتحركها، فإن نجاح المؤسسات والشركات يعتمد كثيراً على فعاليتها في جمع المعرفة واستعمالها لرفع الإنتاجية وتوليد سلع وخدمات جديدة، ويتأتى ذلك من خلال توليد المعرفة ونقلها وإدارتها ونشرها، بالإضافة إلى الحاضنات الابتكارية والإبداعية ومسرعات النمو وصولاً إلى مرحلة استثمار المعرفة.

إن عملية نقل نتاج حضارة ما إلى حضارة أخرى يعبر عنه بأنه مرحلة من مراحل التحول المعرفي التي تسبق استثماراً للمعرفة وتؤدي لها بالضرورة.

كما أن استثمار المعرفة، من أهم الآليات التي تحقق حالة التحول المعرفي في مجتمعات المعرفة التي ينبغي الحرص على تغذية مصادرها التمويلية وتعزيز الدعم لأبسط مظاهرها ويتجسد ذلك في توفير المؤسسات الوسيطة بين جهات توليد المعرفة، وهي إحدى مراحل وآليات التحول المعرفي المرتبطة بشدة بآلية استثمار المعرفة وتعمل معها على ذات النسق والسياق، وفعاليات الإنتاج والخدمات مثل المؤسسات التكنولوجية ومثل المخابر الهندسية والهندسة العكسية والحاضنات الابتكارية والإبداعية، ومثل دعم براءات الاختراع وحماية الملكية الفكرية وغيرها من الإجراءات.

إذ إن استثمار المعرفة يجلب معه تحسينات في التكنولوجيا والكفاءة والإنتاجية، وهذه العناصر تؤدي بالتالي إلى حدوث نمو اقتصادي، والمساهمة في تقدم البلد.

وكما أسلفت فإن استثمار المعرفة يعتبر المرحلة الأخيرة من مراحل التحول المعرفي وهنا يمكن تسميتها بمرحلة الحصاد عندما يتم استثمار المعارف في مختلف قطاعات الدولة عبر نشاطات البحث والتطوير العلمي والابتكار. هنا نتحدث ببساطة عن استثمار المخرجات الابتكارية والإبداعية وإعادة ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني لدعمه.

تندمج بعدها جميع المراحل في عملية تراكمية تكاملية لتحقيق الهدف الأسمى في تأصيل المعرفة وضمان استدامتها بالمجتمع. فالمجتمع سيستمر في توليد ونقل المعارف، وبالوقت نفسه سيكون قادراً على إدارتها ونشرها واستثمارها.

أخيراً يمكن القول إن غياب النظم التشريعية لاستثمار المعرفة يفرض بذل المزيد من الاهتمام، خصوصاً إذا أردنا تحقيق حالة تحول معرفي كامل وحقيقي، له ثمرة ملموسة ومنفعة اقتصادية حقيقية يعود ريعها على المجتمع وعلى الأفراد، بالإضافة إلى تلك النظم التشريعية لابد من توفير كل الآليات التي تسبق مرحلة استثمار المعرفة حتى تتحقق فاعلية هذا الاستثمار من نقل وتوليد وإدارة ونشر للمعرفة، بالإضافة إلى الحاضنات الابتكارية ومسرعات النمو. وللحديث بقية.

 

*نقلا عن البيان الاماراتية

مقالات الكاتب