المرأة والتنمية .. هل من علاقة؟

بلا شك أن قضية المرأة هي من أهم القضايا الاجتماعية في عالمنا العربي بل العالم أجمع. فقضية المساواة بين الجنسين قضية تؤرق كل المجتمعات المتقدمة والنامية.

وبسبب عوامل ثقافية وتربوية ودينية تجعل القضية من القضايا الشائكة. ولأن المرأة قريبة من كل فرد، لأنها الأم والأخت والزوجة والبنت، فإن تجاهلها يكاد يكون مستحيلاً. هذا من ناحية العقبات السسيولوجية التي تواجه المجتمعات في قضية المرأة.

ولكن السؤال هل تحرير المرأة وتمكينها ضرورة تنموية تحتاجها الدول للنهوض بمجتمعاتها، أم هي قضية إنسانية لها علاقة بتحقيق العدالة المنشودة بين فئات المجتمع، خاصة أن هناك حرماناً تاريخياً للمرأة في جل المجتمعات الإنسانية. وهذه قضية قديمة تطرق لها مفكرون عرب منذ القرن التاسع عشر، حيث نشر قاسم أمين كتابه «تحرير المرأة» عام 1899.

هذا السؤال هو موضوع كتاب «المرأة والتنمية» والذي نشر أخيراً (2019) لكاتبه المعروف الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية والبحوث. ويرى الكاتب في المقدمة أن دور المرأة في التنمية دور مهم، ولكن أهمية هذا الدور تتزايد في دول الخليج العربي بسبب ندرة السكان. ويقول الكاتب إن انخراط المرأة في العملية التنموية يحقق نتائج إيجابية لجهة محاربة الفقر وتحقيق المساواة وتحسين حالة المرأة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً (ص. 9).

ويستعرض الكاتب كثيراً من الأدبيات النظرية والتطبيقية والتي عالجت مسألة دور المرأة في التنمية. ويقول إن الهدف الرئيس للكتاب معرفة «العوامل السياسية، والثقافية، والاقتصادية، التي تؤثر في مشاركة المرأة الخليجية في القوى العاملة» (ص. 17). كما أن الكتاب يبحث بشكل مباشر علاقة الدين بمشاركة المرأة في سوق العمل. وهل المعتقدات الدينية تشكل عائقاً للمشاركة؟

ويجيب الكاتب عن هذا السؤال بأن الأصولية الدينية والتي انتشرت في العالم العربي أثرت بشكل سلبي على مكانة المرأة في المجتمعات العربية. ويصب الكاتب جام نقده على أحد مفكري الإسلام السياسي الكبار وهو أبو الأعلى المودودي. ويرى في تهكمه على الخصائص الفسيولوجية للمرأة بسبب الحمل أو الدورة الشهرية وعدم مواءمة هذه الحالات لأعمال القتال حط من شأن المرأة. وينتقد الكاتب رؤية المودودي بخصوص ما يذكره عن «طبيعة المرأة» ويرى أنها مجرد حالات اجتماعية في زمن معين ولا تنطبق على كل المجتمعات، كما أشار بعض علماء الأنثروبولوجيا، والتي درسوا مجتمعات مختلفة وخلصوا إلى أن الدور الأكبر لـ«التنشئة الاجتماعية» في تحديد كل من السلوك «الذكوري» و«الأنثوي» (ص. 73).

ويضيف الكاتب إن الشريعة الإسلامية السمحاء لا تقف عقبة في وجه مشاركة المرأة ومساواتها بالرجل. فإذا ما عدنا لقراءة النصوص الشرعية نجد أنها تحقق حالة متميزة للمرأة، «ومن الواضح أن الشريعة الإسلامية لا تقف مانعاً أمام تحقيق وضع أفضل للنساء المسلمات، بل إن بعض المفسرين هم من قاموا أساساً بإعادة وضع تفسيرات لتطبيق النصوص الشرعية» (ص. 110).

وبعيداً عن التنظير، ما هو واقع المرأة في المجتمعات الخليجية؟ يجيب الكاتب إن دول مجلس التعاون الخليجي أولت اهتماماً لقضية المرأة «مع إيلاء أهمية أكبر لتعليم المرأة بهدف تعزيز مساهمتها في عملية التنمية الشاملة» (ص. 120). والهدف من زيادة تعليم المرأة في دول مجلس التعاون هو تحقيق التنمية الشاملة والتعويض في قلة الموارد البشرية. ونستشف من زيادة انخراط البنات في صفوف الدراسة الأهمية التي توليها هذه الدول لتعليم والرقي بمكانة المرأة. ويورد الكتاب كثيراً من الإحصائيات التي تشير إلى زيادة معدلات دراسة الإناث على الذكور. فعلى سبيل المثال «فإن عدد الإناث الملتحقات بالتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2015 كان 80262، في حين كان عدد الذكور 60380» (ص. 138).

أما بالنسبة لمشاركة المرأة الخليجية في سوق العمل، فقد تفوقت الدول الخليجية على شقيقاتها العربية. ووصلت مستويات عالمية لمؤشرات المشاركة. فمعدل المشاركة لدول مجلس التعاون الخليجي بلغ 40.5% مقابل 18.9% بالنسبة للدول العربية. ويقترب معدل المشاركة لدول الخليج من المعدل العالمي والذي يصل إلى 48.7%.

وقد أحسن الكاتب صنعاً حين ضمّن الكتاب فصلاً حول رؤية الشيخ زايد، طيب الله ثرا، للمرأة في مجتمع الإمارات. فلا أحد يستطيع نكران مساهمة الأب المؤسس في جميع مناحي المجتمع، وخاصة فيما يتعلق في تنمية وتحديث الدولة والمجتمع. ويقول الكاتب إن المغفور له «صاحب رؤية حضارية رائدة حول المرأة ودورها في المجتمع» (ص. 163). وبالفعل كان الشيخ زايد يقول «أنا نصير المرأة؛ أقولها دائماً لتأكيد حقها في العمل والمشاركة الكاملة في بناء وطنها»، ويضيف الشيخ زايد إن «المرأة أخت الرجل لا فرق بينهما؛ فهما شريكان في تقدم الوطن والحفاظ على ازدهاره» (ص. 172-173). ويعلق الكاتب أن هذه العبارة هي خلاصة فكر الشيخ زايد حول المرأة ودورها في المجتمع.

ولا شك أن الأب المؤسس أرسى دعائم تمكين المرأة، وقد أصبحت بنت الإمارات تتبوّأ مناصب عليا في البلاد من الوزير والقاضي المدعي إلى الطيار المقاتل. وقد جاءت المرأة الإماراتية في المركز الأول عربياً لأعوام ثلاثة متتالية لجهة تمكين المرأة حسب مركز دراسات المرأة العربية.

كتاب يستحق القراءة والتمعن ويحتوي على معطيات ومعلومات وفيرة.