حضرموت أولًا ... نحو نموذج يمني للخروج من الفشل إلى التعافي
■ في زمنٍ تتناسل فيه أزمات اليمن بلا توقف، وتتآكل فيه ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها، تبدو حضرموت اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة: أن تغادر مربع الفشل الوطني العام، وتؤسس لنموذج تحفيزي واقعي لبقية المحافظات، لا بالكلام السياسي أو الخطابات العابرة، بل بمشروع عملي متكامل، يضع المواطن في قلب المعادلة، ويعيد تعريف معنى الدولة في سياقها المحلي.
من واقع التدهور إلى مشروع للنهضة
ليس خافيًا أن حضرموت، رغم ما تتمتع به من ثروات طبيعية، وموقع استراتيجي، واستقرار نسبي، ما تزال رهينة أداء إداري هش، وجهاز حكومي يعاني من التسيب، وانعدام الحافز، وانهيار الأجور. هذا التدهور لا يُعالج بالمناشدات ولا بالتبرير المستمر لأخطاء المركز، بل بمشروع محلي واضح يبدأ من الداخل، ويعتمد على ما هو ممكن لا ما هو مؤجل.
المعركة الأولى: مكافحة الفساد واستعادة كفاءة الموظف الحكومي
أي نهضة لا يمكن أن تبدأ بدون إصلاح إداري حقيقي. لا يمكن لسلطة محلية أن تُقنع مواطنيها بالنهوض، فيما موظفوها يتغيبون، أو يحضرون دون إنتاج، أو يتعاملون مع الوظيفة كعبء. ولهذا، لا بد أن تبدأ حضرموت بـ:
_ وضع آلية مراقبة داخلية فاعلة لأداء الموظف الحكومي.
_ اعتماد نظام تقييم دوري مرتبط بالمكافآت والتكليفات.
_ إطلاق صندوق محلي لتحسين أجور الموظفين تدريجيًا عبر موارد ذاتية، بعيدًا عن انتظار تعزيزات من المركز.
إن رفع أجر الموظف، ولو نسبيًا، لا يجب أن يُرى كمنحة، بل كاستثمار مباشر في الأداء العام، لأنه بدون موظف فاعل، لا وجود فعلي للدولة.
استعادة الثقة: الشفافية أولًا، والمشاريع ثانيًا
لقد تآكلت ثقة المواطن بالسلطة المحلية نتيجة عقود من الغموض، وسوء التواصل، والمشاريع غير المكتملة. لذلك فإن الخطوة الثانية في مشروع النهضة يجب أن تكون:
_ إعلان موازنة شفافة بوضوح الموارد والمصروفات.
_ إشراك المجتمع في تحديد أولويات التنمية.
البدء فورًا بتنفيذ مشاريع واقعية، ملموسة، صغيرة الحجم لكنها كاملة التنفيذ، ليشعر المواطن أن السلطة تعود من القول إلى الفعل.
الثقة تُبنى حين يرى المواطن أن إنارة الشوارع بدأت، وأن المدرسة تحسنت، وأن تصاريح البناء تُنجز في الوقت المحدد.
شراكة عقلانية مع رأس المال المهاجر والمحلي
لا يمكن لحضرموت أن تنجز هذا المشروع وحدها، فمواردها محدودة، وأعباؤها كبيرة. هنا يأتي الدور الحاسم لـ رأس المال الحضرمي المهاجر والمحلي. لكن هذه الشراكة لا يجب أن تُبنى على الشعارات العاطفية، بل على مصالح منطقية، وعقود محمية، وقوانين واضحة.
المطلوب هو:
فتح باب الشراكة في تشغيل المرافق الخدمية، ورعاية المشاريع المجتمعية، وتمويل الحوافز الحكومية.
منح المستثمرين امتيازات عادلة (كأولوية في الاستثمار، أو إعفاءات مؤقتة، أو تسهيلات)، مقابل التزامهم بدور مباشر في تنمية الجهاز الحكومي ودعم المجتمع.
هذه الشراكة لا تعني خصخصة الدولة، بل تعني تحريرها من الفشل عبر تحالف متين بين المال والخدمة العامة، تحالف يعيد الثقة، ويخلق فرصًا، ويُبقي القرار التنموي بيد المحافظة لا بيد المانحين الخارجيين.
حضرموت أمام فرصة أن تقول "نستطيع"
إذا استطاعت حضرموت أن تطلق هذا المشروع ببنيته الإدارية والمجتمعية، فإنها ستنجح في أمرين:
_ أن تُنقذ نفسها من التدهور البطيء والمزمن.
_ أن تقدم لليمن كله نموذجًا مختلفًا عن صورة الدولة الفاشلة، نموذجًا واقعيًا، نابعًا من الناس، ومن السلطة المحلية، ومن رأس المال الوطني الحر.