حوارات واستطلاعات
هل لدى البنك المركزي القدرة على الاقتراض الداخلي؟
التنمية برس: متابعات
منذ بداية الحرب في نهاية عام 2014، لجأت الحكومة اليمنية إلى الاقتراض من الداخل لسداد الرواتب وتغطية عجز الموازنة، وتوقفت عن الاقتراض عقب نقل المقر الرئيس للبنك المركزي وإدارة عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن، قبل أن تعلن نهاية يوليو/ تموز الماضي، استئناف الاقتراض من القطاع التجاري عبر إصدار السندات.
وانتقد خبراء اقتصاد يمنيون لجوء الحكومة مجدداً إلى الاقتراض من المصارف المحلية عن طريق السندات وبفوائد مرتفعة وشككوا في قدرة الحكومة على استعادة ثقة القطاع التجاري قبل أن تقوم بسداد فوائد الدين الداخلي للسنوات السابقة.
وأقر مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، نهاية يوليو/ تموز الماضي، إصدار سندات حكومية بنسب فائدة تصل إلى 12 في المائة ولفترات مختلفة من سنة إلى ثلاث سنوات، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ).
وشكك مسؤولون مصرفيون في قدرة البنك المركزي على جمع الأموال من خلال السندات.
ونقلت صحيفة “العربي الجديد” عن ثلاثة من مسؤولي المصارف التجارية اليمنية إن المركزي يفتقد للأدوات التي قد تساعده على استعادة مهامه في إدارة السياسة النقدية، فضلاً عن انعدام الثقة بين المركزي والقطاع المصرفي التجاري نتيجة عجز البنك عن سداد فوائد الاستثمار في السندات وأذون الخزانة منذ عام 2015.
واعتبر الخبير في المالية العامة أحمد غالب، أنه يوجد شكوك في قدرة البنك المركزي على حشد التمويل عبر إصدار السندات، معتبراً أن المصارف التجارية تحتاج للسيولة لمواجهة طلبات عملائها المودعين.
وسأل غالب في حديث مع الصحيفة : “أي بنك سيضع ثقته في الحكومة ويسلم لها ما تبقى من أمواله ومدخراته حتى ولو كانت العائدات المعروضة تفوق التوقع؟ فكيف إذا كانت دون مستوى معدلات التضخم وتقلبات الأسعار، فضلاً عن عدم اليقين بما تخبئه لنا الأقدار كبلد وشعب؟”.
وفي السياق، حذر مركز رفد الإقتصادي (مستقل) الحكومة من مغبة إصدار سندات بنسب فائدة عالية لتغطية بعض الإلتزامات المالية، وقال في بيان: “ننوه إلى خطورة ذلك، حيث أن الأولوية تكمن في تقليص المصروفات، وضخ الأموال التي تعزز من تحسين آلية تحصيل الإيرادات خلال فترة الحرب”.
واقترح المركز على الحكومة أن تقوم بتقديم طلب للحصول على قرض من الدول الصديقة بنسب فائدة صفرية، كون البلد يعيش فترة حرب.
لكن الباحث والمحلل الاقتصادي حسام السعيدي قال لـ “العربي الجديد” إن “إعادة إصدار السندات ستساعد الحكومة على تجاوز حالة العجز المالي وإذا ترافق إطلاق السندات مع إعادة تفعيل الموارد الحكومية بشكل عام وبصورة جيدة، فإنه يمكن للحكومة تجاوز أزمتها المالية، شرط إيفاء الحكومة والبنك المركزي بالتزاماتهما”.
ومنذ بداية الحرب قبل أربع سنوات، يعتمد اليمن على أدوات الدين العام بشكل مفرط لتمويل الفجوة المزمنة في الموازنة العامة للدولة ولذلك، ارتفع رصيد وأعباء الدين العام إلى مستويات مقلقة باتت قيداً على النمو الاقتصادي والتنمية وتحمل أعباء كبيرة على الجيل الحالي والأجيال القادمة.
ويقدر خبراء مصرفيون، أن كل فرد من سكان اليمن البالغ عددهم 26 مليوناً سيصبح مديوناً بحوالي 1500 دولار، بالنظر الى ارتفاع الدين العام المحلي إلى مستويات خطيرة. واستحوذت خدمة الدين العام على النفقات الاجتماعية (التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والمياه) ولم تترك مساحة للإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية والبرامج الاستثمارية.
من جهته، يطالب القطاع المصرفي التجاري اليمني الحكومة بسداد فوائد أذون الخزانة، ودعا إلى دفع مديونية البنوك التجارية والقطاع التجاري الخاص لدى الحكومة من فوائد الاستثمار في اذون الخزانة وقال حسن الكبوس رئيس الغرفة التجارية في العاصمة صنعاء لـ “العربي الجديد”: “يتعافى الاقتصاد عندما يتعافى القطاع الخاص، ولذلك نطالب البنك المركزي بدفع الفوائد المتأخرة عليه لحملة أذون الخزانة، هذا سيساعد على إنقاذ الاقتصاد اليمني من الانهيار والحفاظ على النشاط التجاري للقطاع الخاص”.
وبسبب غياب العوائد من مبيعات النفط والغاز والضرائب والمساعدات الخارجية قام البنك المركزي بتعويض ذلك من خلال الاقتراض من المصارف عن طريق أذون الخزانة وقد أدى ذلك إلى اقتراض أكثر من تريليون ريال منذ بداية الحرب حتى توقف البنك المركزي عن عمله.
في السياق، أكد البنك الدولي، في تقرير حديث، أن تحرير قدرة القطاع الخاص ينبغي أن يكون هو الهدف العام للسياسات العامة، وأنه يتعين على الدولة الضعيفة والقطاع العام أن يسعوا إلى تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من قدرات القطاع الخاص وطاقته وكفاءته.
وشدد التقرير الذي صدر في يونيو/ حزيران الماضي، على أنه ينبغي أن يتم توجيه جهود استعادة الدولة وتحقيق الاستقرار نحو تمكين وتحفيز مشغلي القطاع الخاص، الأمر الذي يمكن أن يتحقق من خلال تعافي البنك المركزي ودعم ميزانية المدفوعات للمساعدة في استعادة الواردات باعتبارها العمود الفقري للتعافي وإعادة الإعمار، أو المساعدة من خلال إيجاد مخرج لتسوية المتأخرات المحلية، بما في ذلك المتأخرات المستحقة للقطاع المالي.