اخبار وتقارير
كابوس سوق العمل في عدن يؤرق الشباب.. خيارات صعبة زادت الحرب من سوئها (تقرير)
تنتشر البطالة، بصورة مخيفة، بين أوساط الشباب في عدن، كغيرها من المحافظات اليمنية، ولم يعد الحصول على درجة علمية، ميزة لخريجي الجامعات في محافظة عدن للحصول على وظيفة أحلامهم، إذ بات الواقع يشكّل كابوسًا للشباب حديثي التخرج، وهو ما يدفع البعض منهم إلى القبول بأي وظيفة قد لا ترقى لمستوى مؤهلاتهم وطموحاتهم، بل إن البعض قد لا يفكر بشغفه وطموحه إطلاقًا في المستقبل.
ويفيد العديد من الخريجين أن البحث عن لقمة العيش، والفجوة الواضحة بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل، تسبب بحالة من الإحباط، وتدني التطلع السائد بين أوساط الشباب.
فقدان الشغف
الشاب أحمد البغدادي، من سكان منطقة الشيخ عثمان (شمال عدن)، وجد نفسه عاطلًا عن العمل بعد التخرج سنة 2017، حاول البغدادي جاهدًا طرق أبواب المنظمات والشركات أملًا في الحصول على وظيفة تليق بتخصصه -الهندسة الميكانيكية- لكن السنوات مرت دون جدوى.
يحكي البغدادي لـ"خيوط"، عن الظروف التي دفعته للعمل في تخصص آخر بعيدٍ تمامًا عن مجال تخصصه، بالقول: "اشتغلت في وظيفة إدارية خارج تخصصي؛ لأني لو صممت على العمل في مجال تخصصي فسأكون مضطرًا لتقديم تنازلات بشكل أو بآخر، وهو ما لا تسمح به الظروف المعيشية الراهنة."
يضيف: "حتى في حال توافرت فرص عمل وفق تخصصي، فإن المقابل زهيد، إذ إن 12 ساعة عمل، يقابله أجر لا يتجاوز 150 ألف ريال يمني - 250 دولارًا أمريكيًّا).)"
وفرضت الحرب العديد من المتغيرات على سوق العمل في اليمن، مع توسع البطالة بشكل كبير، والتحدي الذي يواجه الشباب في التكيف مع هذه المتغيرات وحالة اليأس والإحباط التي يعاني منها عدد كبير من هذه الفئة الواسعة في المجتمع اليمني. للمتغيرات التي مرت بها عدن خلال سنوات الحرب، ومدى تأثير ذلك على واقع سوق العمل: "التغيرات التي حدثت في البلاد ككل، وعدن على وجه التحديد، تسببت بحالة من اليأس والعجز، كانت أهم مؤشراتها التكيف مع الواقع الجديد"، توجه يرى فيه البغدادي جوانب إيجابية، إذ فتح عملُه الجديد أمامَه آفاقًا ليس آخرها التفكير بتدشين مشروع في المجال الطبي اللوجستي، وهو ما يؤكد أن الحياة لا تتوقف عند خيار وحيد.
غياب التشجيع وقلة الدعم
يحكي محمود أحمد، خريج كلية المجتمع في مديرية دار سعد، قسم الجرافيك، لـ"خيوط"، عن صدمته بعد التخرج سنة 2015 قائلًا: "في بداية تخرجنا نصطدم بسوق العمل الذي يرفض تشغيلنا مطالِبين بسنوات خبرة، حتى لو كان رب العمل جديدًا في السوق وليس بذلك الحضور. يرفضنا أرباب العمل المبتدئين، كما ترفضنا الشركات التي نتقدم لها للعمل، ولو كمتدربين بدون أجر"، ويضيف محمود: "يدور الخريج في دائرة مفرغة، حتى يقصم ظهره، وحين يحظى بعمل، غالبًا يكون خارج دائرة اهتمامه وطموحاته، وإن استمرت فترة العمل لـ12 ساعة، وغالبًا يكون الراتب متدنّيًا لا يتجاوز 100 ألف ريال."
"تركت العمل في مركز دعاية وإعلان، أعمل فيه مصممًا، راتبي فيه 80 ألفًا، كنت أشتغل فيه 11 ساعة صافية، دون راحة الغداء والعشاء التي أدفع ثمنها من ذلك الراتب نفسه، وتأخذ وقتها من يومي الذي لا أجد منه سوى وقت النوم، ناهيك عن الكثير من العصف الذهني وضغط العمل كبير"، يتابع محمود حديثه.
وينهي محمود حديثه: "حظيت بعمل آخر في مقهى إنترنت براتب 90 ألفًا، وبدوام لا يزيد عن سبع ساعات؛ عمل لا يوجد فيه أي ضغط أو جهد ذهني فتركت عملي كمصمم وقبلت بالعمل الآخر، لكن رحلة البحث عن فرصة عمل ما زالت مستمرة، عن فرصة حياة، وبدأ شغفي بذاك التخصص يخفت، وبدأت أبتعد عن تخصصي حتى صار عني بعيدًا."
ويتطرق الباحث الاجتماعي، أسامة سعيد، في حديث لـ"خيوط"، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص، تتعلق بعزوف الشباب عن الكثير من المهن والأعمال المتاحة بحسب التغيرات الراهنة في أنظمة وسياسة العمل، إضافة إلى أن نسبة كبيرة من الشباب الخريجين، وهذه مشكلة مزمنة في اليمن، يظل بعد تخرجه منتظِرًا الحصول على الوظيفة الحكومية وعدم البحث عن فرص أخرى، والتركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر في الوقت الراهن من أهم القطاعات المشغلة للأيدي العاملة.
وحدهم الشباب من يدفع الثمن
مرت الكثير من السنين وعجلة الوضع الاقتصادي تستمر في التراجع والدوران نحو الخلف بصورة مخيفة ومفجعة، ومعها تضيع أحلام غالبية الشباب في عدن ومختلف المدن والمناطق اليمنية.
يؤكد الباحث الاقتصادي محمود القدسي لـ"خيوط"، أن الشباب في طليعة الفئات الأكثر تضررًا من الحرب الدائرة في اليمن منذ سبع سنوات، إذ وسّعت بشكل كبير من معدلات البطالة في أوساط هذه الفئة وأثّرت على العملية التعليمية من خلال توسيع الاختلالات بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
من جانبه، يرى عبدالقادر ناصر، خبير متخصص في سوق العمل، في حديثه لـ"خيوط"، أن هناك تغيرات جذرية يشهدها سوق العمل في اليمن بشكل عام، مع انضمام تأثيرات أخرى ساهمت في هذه التغيرات، مثل انتشار وباء كورونا وتسببه في تغير استراتيجيات وسياسات منظومة العمل وتوجهات مؤسسات الأعمال وأرباب العمل مع ما شهدته البلاد طوال السنوات الماضية من تسريح للأيدي العاملة وانخفاض الأجور الممنوحة، فضلًا عن بروز تخصصات وأنماط أخرى في سوق العمل لا تندرج ضمن مخرجات النظام التعليمي الأكاديمي بشكله الراهن.
إجمالًا، فإن الشباب الذين باتت أقصى أحلامهم في الظروف الحالية تتعلق بحقوق مسلوبة؛ حق العمل، حق الأمان الوظيفي والعيش دون الخوف مما يحمله الغد، في بلدٍ بات التكهن بمستقبله ضرب من الجنون؛ نظرًا للأزمة السياسية، ووحدهم الشباب من يدفع الثمن في كل مرة، فيما أنظارهم صوب غدٍ يحقق فيه ما بات الواقع يضعه في قائمة المستحيل.