مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
يمر النظام المالي العالمي بعدة تحولات رئيسة على المسار المؤدي إلى زيادة الاستقرار المالي. وستنطوي هذه التحولات على تحديات لأنها مصحوبة بمخاطر كبيرة.
ما إذن هذه التحولات؟
- التحول الأول هو انتقال الولايات المتحدة من مرحلة التيسير النقدي التي طال أمدها إلى عودة الأوضاع النقدية إلى طبيعتها. فهل سيمضي هذا التحول بسلاسة أم ستتخلله العثرات؟
- ثانيا: تواجه الأسواق الصاعدة تحولا نحو أوضاع خارجية أكثر تقلبا وعلاوات مخاطر أعلى. فما الذي يتعين القيام به للحفاظ على صلابة هذه الأسواق الصاعدة؟
- ثالثا: تتحرك منطقة اليورو حاليا صوب اتحاد أقوى ونظم مالية أكثر رسوخا. ويركز هذا التقرير على الصلات الوثيقة بين قطاع الشركات والقطاع المصرفي. فما انعكاسات مستويات الدين المفرطة في قطاع الشركات على سلامة المصارف؟
- رابعا: تتحرك اليابان في الوقت الراهن صوب نظام سياسات "آبينوميكس" الجديد. والمخاطر التي تواجهها كبيرة. فهل ستكون سياساتها شاملة بالقدر الكافي لضمان الاستقرار؟
- أخيرا: يشهد العالم تحولا نحو نظام مالي أكثر أمانا، لا يزال يتعين بذل جهد كبير لإتمامه.
إذن، هل سيكون تحول الولايات المتحدة نحو عودة الأوضاع النقدية إلى طبيعتها يسيرا أم ستتخلله العثرات؟ فهذه العملية ستكون غير مسبوقة وستكون محفوفة بالتعقيدات. وأسعار الفائدة طويلة الأجل يمكن أن تتجاوز مستواها التوازني. وقد ثبت بالفعل أن احتواء أسعار الفائدة وتقلب الأسواق في الأجل الأطول تحد كبير، وهو ما تدل عليه الزيادة الحادة في عائدات السندات ودرجة التقلب منذ أيار (مايو). ويمكن أن يؤدي انخفاض السيولة السوقية والإفراط في تمديد التخصيصات للسندات إلى تعظيم هذه المخاطر.
ويمكن أيضا أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى الكشف عن حلقات ضعيفة في نظام صيرفة الظل، ما يزيد من توترات الأسواق والسيولة.
ومن أمثلة ذلك صناديق الاستثمار في الرهن العقاري. فهذه الصناديق، مثل الأدوات الاستثمارية المهيكلة والقنوات التي كانت قائمة قبل وقوع الأزمة، تعمل بنسب رفع مالي فائق وتخضع لمخاطر سحب التمويل بصورة جماعية ومفاجئة. ويمكن أن تضطر إلى بيع حيازاتها من الأصول بسرعة، ما يؤدي إلى اضطراب سوق الأوراق المالية المضمونة برهون عقارية، ويمكن أن ينتشر ذلك إلى أسواق الأصول الأوسع.
ويقتضي تصميم تحول سلس يمهد السبيل أمام عودة الأوضاع النقدية الطبيعية وضع استراتيجية تواصل واضحة وحسنة التوقيت يعتمدها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للحد من تقلب أسعار الفائدة، كما سيتعين ضمان فعالية التنفيذ تمشيا مع التطورات الاقتصادية. وسيكون من الضروري تعزيز الإشراف الاحترازي الكلي والشفافية في نظام صيرفة الظل للحفاظ على الاستقرار المالي. ويتوقع أن يتيح ذلك للاحتياطي الفيدرالي الاحتفاظ بتركيزه على كفالة الخروج بسلاسة.
ماذا يحدث مع انحسار موجة التدفقات الرأسمالية الداخلة في الأسواق الصاعدة؟ فمنذ أزمة مؤسسة ليمان براذرز، زادت التدفقات الداخلة من السندات إلى الأسواق الصاعدة بأكثر من تريليون دولار أمريكي. وتتجاوز هذه الزيادة بكثير اتجاهها العام طويل الأجل بنحو نصف تريليون دولار، ما رفع اقتراض الشركات في الأسواق الصاعدة إلى مستويات غير مسبوقة.
وتشير الأحداث منذ مايو الماضي إلى وجود مخاوف جديدة بشأن الاستقرار المالي. ويضطلع المستثمرون الأجانب بدور أكبر في أسواق الدين المحلي. إلا أن السيولة السوقية تدهورت في السنوات الأخيرة، ما زاد حساسية أسعار الفائدة المحلية للتغيرات في الشعور السائد بين المستثمرين. وفي الوقت نفسه، ضعفت الميزانيات العمومية للشركات وتزايدت مواطن الضعف المالي وتباطأت وتيرة النمو الاقتصادي. ونتيجة لذلك، تتعرض هذه البلدان لضغوط سوقية أشد وطأة.
وإذا واجهت هذه الاقتصادات خروج تدفقات كبيرة من رأس المال، فسيتعين اتخاذ خطوات لضمان عدم اضطراب الأوضاع السوقية ولتيسير حدوث تعديلات سلسة في حافظات الاستثمار. ويقتضي الحفاظ على قدرة الأسواق الصاعدة على الصمود أيضا قيام البلدان بمعالجة مواطن الضعف المحلية وتعزيز مصداقية السياسات.
لا تزال أوروبا تواجه تحديات رئيسة. فعلى الرغم من أن إجراءات السياسات المتخذة على الصعيد الإقليمي والأصعدة الوطنية خففت ضغوط التمويل على الكيانات السيادية والمصارف الأضعف، إلا أنه لا تزال هناك عقبات أمام تدفق الائتمان نتيجة للتجزؤ المالي.
ويبيِّن تقرير الاستقرار المالي العالمي أيضا أن حصة كبيرة من ديون الشركات في الاقتصادات المجهَدة أصبحت الآن قائمة على شركات لها قدرة ضعيفة على خدمة الدين. وهذا ما نسميه فرط أعباء المديونية. وحسب تقديرنا، فحتى إذا زال التجزؤ المالي، فستظل حالة فرط أعباء المديونية مستمرة، مع بلوغها نحو خمس الدين المجمَع لقطاعات الشركات في إيطاليا والبرتغال وإسبانيا.
ويؤثر فرط أعباء المديونية في الجهاز المصرفي من خلال الخسائر على قروض الشركات، وسيتعين على بعض المصارف زيادة مخصصاتها مقابل هذه الخسائر المتوقعة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى امتصاص جزء كبير من أرباح المصارف مستقبلا، ومن رأس المال في بعض الحالات.
وهناك ضرورة لتنفيذ عدد من إجراءات السياسات لمعالجة تركة الميزانيات العمومية الضعيفة لدى الشركات والمصارف في منطقة اليورو، وتجب معالجة فرط أعباء المديونية بطريقة أكثر شمولا. ويمكن أن يتضمن ذلك تنقية الميزانيات العمومية من الديون، أو إدخال تحسينات على الأطر المنظمة لإجراءات الإفلاس، أو إنشاء شركات خاصة لإدارة الأصول من أجل إعادة هيكلة القروض.
أما بالنسبة للمصارف، فإن الإجراء الذي تعتزم السلطات الأوروبية القيام به، وهو تقييم الميزانيات العمومية وإجراء اختبارات للقدرة على تحمل الضغوط، يمثل فرصة ذهبية لإجراء مراجعة شاملة وشفافة لجودة الأصول المصرفية وتحديد أوجه قصور رأس المال. إلا أنه يتعين إيجاد آلية موثوقة توفر موارد داعمة لرأس المال قبل اختتام هذه العملية لموازنة أي قصور يتم تحديده، إذا كانت الأموال الخاصة غير كافية. وتتعين تقوية الميزانيات العمومية لدى المصارف بالتوازي مع تحقيق تقدم كاف نحو إقامة الاتحاد المصرفي.
مع قيام الولايات المتحدة بالنظر في إعادة الأوضاع النقدية إلى طبيعتها، تقوم اليابان بتوسيع نطاق التنشيط النقدي وفقا لإطار نظام "آبينوميكس". كما يتعين أن يكفل صناع السياسات في اليابان تنفيذ حزمة السياسات هذه بصورة كاملة، لأن عدم تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية المتوخاة يمكن أن يشعل شرارة الانكماش من جديد ويزيد حدة المخاطر على الاستقرار المالي.
وأخيرا، فعلى الرغم من التقدم الجاري، لا يزال يتعين علينا استكمال جدول أعمال إصلاح الإطار التنظيمي، وتنفيذ القواعد الجديدة في جميع البلدان بصورة متسقة، وتعزيز الرقابة. وتلك نقطة لم نصل إليها بعد. ولا يزال من الضروري بذل كثير من الجهد لتحقيق نظام مالي عالمي أكثر أمانا.
وإذا أديرت تحديات السياسات التي تناولتها بصورة سليمة، فينبغي أن ينجح التحول نحو زيادة الاستقرار المالي وأن يوفر قاعدة انطلاق أقوى للنمو الاقتصادي.
إننا ماضون على الطريق ولدينا الخريطة. ويتعين الآن على صناع السياسات توجيه الأمور بعناية لتجاوز الأماكن التي تتخللها عثرات في الطريق أمامنا - حتى نصل بسلام إلى وجهتنا المنشودة.