مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
بالقطع فإن يوم الإعلان عن الرؤية مَثلَ علامة فارقة في تاريخ التنمية الاقتصادية-الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، وسعت الرؤية منذ إعلانها على بيان طريقة التنفيذ، وذلك من خلال الإعلان تباعاً عن برامج لتحقيقها. ويبرز حالياً سؤال: ما آلية ومنهجية تطوير وتحسين وتنقيح "الرؤية السعودية 2030" أو أحد برامجها؟ فهي بالتأكيد ليست محفورة في الصخر، فنسختها الحالية –بالضرورة- وضعت طبقاً لافتراضات معينة وبيانات ومعلومات معينة، ومع مرور الوقت فإن تلك الافتراضات ستكون بحاجة إلى مراجعة والبيانات والمعلومات كذلك، بل أن الخبرة المكتسبة من تنفيذ الرؤية في سنتها الأولى لابد أنها أكسبتنا جميعاً معرفة بالواقع أكثر دقة، مما يستوجب استيعابه في نسخةٍ ثانيةٍ محسنة ومنقحة من الرؤية، لتتوالى النسخ مع مرور السنوات، ليس بقصد "تغيير" الأهداف والتطلعات، بل بهدف تطويرها وجعلها أكثر استيعاباً للواقع وللبيئة المحيطة، أو لاكتشاف طرق أو وسائل أكثر كفاءة في التنفيذ تحقيقاً للرؤية بجهدٍ وتكلفةٍ أقل.
وذلك، أخذاً بالاعتبار أن الوصول لتطلعات الرؤى الوطنية إجمالاً يتحسن مع إعادة البحث في مجال الحلول المتاحة، التي تتحسن مع إعادة الكَرات، فنبدأ في تخوم الحل وبالتدريج نصل إلى مجاله ثم إلى الحل!
وما يدفع لتناول قضية هل وصلت معاني الرؤية ومفاهيمها لجميع المعنيين بها، ليس الجدل، بل لأمر أكثر جوهرية يتصل بالتوقعات؛ إذ يمكن الجدل أننا من خلال الانشغال باستعراض وثيقة الرؤية بالتركيز على أهدافها أكثر بكثير من تناول كيفية الوصول لتلك الأهداف، قد "ضخم" التوقعات، بعدم بيان أن الوصول لأهداف الرؤية يستوجب مكابدة وعمل جاد يتجسدان في تنفيذ خارطة طريق تشوبها تحديات وربما معوقات! وكما ندرك جميعاً، فإن "إدارة التوقعات" ليس أمراً عرضياً، إذ لا ننسى أن العام 2016، الذي أعلنت فيه الرؤية، كان عاماً صعباً على الاقتصاد السعودي وعلى المالية العامة السعودية، باعتبار أن الميزانية العامة للدولة للعام قد أقرت إطلاق برنامج إعادة هيكلة طموح، ينطوي على "شد للحزام"، ففيه أعلن عن خفض الدعم الحكومي وعن قرب فرض ضريبة قيمة مضافة، ضمن أمور أخرى.
نحن بحاجة لتوضيح خارطة الطريق لتنفيذ الرؤية، أننا بصدد إنجاز طموح تاريخي، وأن أول السنوات قد تكون أصعبها. وأن تنفيذ الرؤية لابد أن يكون من خلال اختيار طريق، وأن الطريق لن يكون سهلاً، فإنجاز الرؤية ليس نزهة، ففي الرؤية جسارة وشجاعة، فهي تحدي ضخم، وعلينا أن نستشعره جميعاً ونسعى حثيثاً لتنفيذه، فالكثير سيتغير للأفضل باذن الله.
ومع ذلك لابد أن يتضح وفقاً لأي إطار ونسق اقتصادي ستُنفذ الرؤية، وأقصد بالنسق الاقتصادي الإطار والمرتكز الاقتصادي يكون نقطة مرجعية لجميع برامج تحقيق الرؤية. وهذا أمر لم يُعلن حتى الآن. فاقتصادنا حالياً قائم على تقديم الدولارات النفطية لشراء أي شيء وكل شيء: فمن يستقدم العمالة يدفع دولارات، واستيراد سلع الرفاهية والكمالية والضرورية وغير الضرورية يكون مقابل دولارات، ونستورد الخدمات والكثير منها بالدولارات، وفوق ذلك يتنافس السعوديون والوافدون على "تصدير" الدولارات للخارج!
هذا سلوك يقوم على إنفاق دولارات أتت بسهولة ناتجة عن ريع! ولا شك أن مبادرات محورية عدة قد اتخذت منذ إطلاق "الرؤية السعودية 2030" للتعامل مع هذا النزف، ولتحسين مناخ الاستثمار المحلي، ولبناء شراكات استراتيجية مع دول محورية سياسياً واقتصادياً، كما أن مبادرات عدة أطلقت لتحريك القوة الاقتصادية الكامنة للمملكة، وكل هذا يستدعي وضع إطار اقتصادي يبين توجهات النمو ، واستهداف اصلاح الأسواق والارتقاء بالإنتاجية والميزة التنافسية ورفع كفاءة توزيع الدخل.
(نقلا عن صحيفة مال السعودية)