خلّفت العولمة واقعا جديداً تجسد على الخصوص في امتداد مستوى التنافسية، بحيث لم تعد الكيانات والدول الفقيرة قادرة على مواجهة التحديات العظيمة التي يَفرضها التنافس بين الدول، وهو ما أدى إلى إنشاء تجمعات إقليمية كبرى، لتكتسب قوة فاعلة جديدة في العلاقات الدولية بعامة، وفي العلاقات الاقتصادية بخاصة.
ويبدو أنه بات يستحيل التعاطي المجدي مع الصراعات السياسية والحروب والأزمة التي تعصف باليمن، في مواجهة تحديات العولمة، ولأسباب اخرى عديدة، ولتواجد قوى احتكارية والفساد وغياب الرؤية المستقبلية والاستراتيجية للحكومة اليمنية لإنقاذ الاقتصاد الوطني، وبالرغم من نحو ثلاثة عقود مرت على تحقيق الوحدة اليمنية بين جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية، فإن المواطن اليمني لا يزال يتطلع إلى التكامل الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في ظل أزمات وصراعات أثقلت كاهله في الجنوب والشمال على حد سواء، ودفع ثمنها وتحمل معاناة شديدة بسببها، في بلد يتمتع بأهمية استراتيجية ويمتاز بها، فهو يشرف على مضيق باب المندب ويطل على البحر الأحمر غرباً، والبحر العربي وخليج عدن والمحيط العربي جنوباً، والعديد من الجزر المنتشرة والموانئ البحرية المهمة، ويوجد في أراضيه مخزون هائل من الموارد الطبيعية النادرة والغاليه بينها البترول والغاز، ولكنه ومع هذا كله، يواجه تحديات عديدة أبرزها تواضع التجارة اليمنية وحجم الاستثمارات، وهجرة رؤس الأموال والعقول والكفاءات العلمية إلى الخارج، وضعف البنية التحتية، وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطن اليمني نتيجة عدم الاستقرار في البلاد،
لذا يتطلب من الحكومة اليمنية وضع خطة عمل جديدة واستراتيجية اقتصادية واجتماعية وثقافية في البلاد، وفرض الأمن والاستقرار، والدخول في شراكة استراتيجية وحقيقية مع جمهورية الصين الشعبية في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية، حيث أصبحت الشراكة الاقتصادية حاجة ملحة بين اليمن والصين، يمكنها ان تؤمن للموطن اليمني حالة ملموسة من التوازن والاستقرار الاقتصادي والتنموي، ضمن علاقات اقتصادية واسعة ومحمية بجملة من القوانين النافذة وبعيدة كل البعد عن الخلافات السياسية.
ما سبق هو نقطة البداية بالنسبة لليمن في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، وضرورة ان يبحث عن قواه الاستراتيجية الكثيرة جداً الكامنة فيه، خاصة البشرية و الاقتصادية لتوظيفها أحسن توظيف، فعلى الرغم أن العالم دخل الألفية الثالثة في ظل إحكام العولمة والتفوق التجاري و الاقتصادي والصناعي والثورة التكنولوجيا الحديثة، إلا أن الاقتصاد اليمني لا يزال يعاني الكثير من المصاعب بسبب عدم توافر إستراتيجية يمنية واضحة للتعامل مع الموارد الاقتصادية والبشرية، ويبدو ان الامر يتطلب صياغة استراتيجية شراكة من طراز مناسب تعقد بين اليمن والصين الصديقة، تتجه نحو التعاون المجدي للاستفادة من الخبرات والقدرات الصينية في إعادة بناء الاقتصاد اليمني الذي يمر في أسوء فتراته. وفي كل الأحوال، من الضروري التركيز على مسار الشراكة الاقتصادية اليمنية الصينية على أسس تستند لمعايير وقواعد التجارة العالمية، وتعزيز العلاقات اليمنية الصينية، وتنمية البينية وتشجيع فرص الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين.
على أية حال، يتطلب الأمر تفعيلاً جدّياً وواعياً لقوى النهوض اليمنية من قبل الحكومة بسبب الحاجة إلى انتشال الاقتصاد الوطني في البلاد بأسرع ما يمكن، كما ويتطلب من الرئاسة دارسة الشراكة مع الصين الشعبية الصديقة في المجال التجاري والاقتصادي والصناعي وغيره من المجالات، لما سيكون له تأثير إيجابي على بناء اليمن الجديد باندفاعة جبارة وفورية. وبالتأكيد يمكن ان يتم رفع طلب إلى القيادة والحكومة الصينية وتشكيل لجنة مشتركة بين البلدين لبحث الملفات ودراستها، والبدء بالنظر في سُبل مساعدة اليمن في تلك المجالات التي تخدم مصالح الدولتين، وعلى الحكومة اليمنية توفير الأمن والاستقرار والانطلاق نحو آفاق المستقبل وبناء الدولة المدنية الحديثة التي يتطلع اليها أبناء اليمن.
بالتأكيد، وعلى أية حال، فبين هذا وذاك يجب ألا ينسى اليمنيون انهم لن يحصدوا شيئاً اذا لم يعودوا إلى التفكير في بناء وطنهم والاخلاص التام له، بعيداً عن كل التدخلات الخارجية في شؤون اليمن، وإيقاف الصراع القائم بين اليمنيين، والتوجه نحو السلام والأمن والاستقرار والعدالة والبناء والتنمية، والاهتمام بالتعليم، وعليهم ترك الماضي الأليم بمعالجة موضوعية له، والتوجه نحو الحاضر والمستقبل لأنه الحل، وحل الخلافات السياسية بالحوار والعقلانية، وعليهم النظر إلى دول الجوار التي تنعم بالاستقرار، ودول فرضت نفسها في العالم مثل الصين وماليزيا وسنغافورة وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان، التي عانت سابقاً من حروب وصراعات ونزاعات ومعاناة من الفساد، إلا أنها وعندما اتجهت نحو السلام والاستقرار والبناء والوحدة الداخلية، أصبحتُ قامات عليا، لها ثقلها الاقتصادي في العالم، ويبقى صحيحاً على الدوام القول بأن مَن يخسر نفسه لا يفيده أن يكسب العالم، بل أنه لا يستطيع أن يكسب أحداً إذا فقد وزنة واحترامه ومكانته وذاته، فعندما اختير مهاتير محمد رئيساً لوزراء ماليزيا، كانت العصابات حينها تملأ مدن البلد وتتقاسم شوارعها، لكن مهاتير محمد لم يُحصّن وطنه بالسجون، بل فتح المدارس والمعاهد والجامعات والمصانع والورش، وهذا الأثر التاريخي التطوري الذي خلّفة، ليس لوطنه فحسب، بل وللعالم أجمع، وعلينا ان نتعظ منه ومن خبرات غيرنا ونجاحاتهم.
…
عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين