مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
نحن نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى مؤسسة مثل معهد بيترسون. نحتاج إلى نقاش فكري مليء بالحيوية، وإلى حلول براجماتية للقضايا الأساسية التي تواجه الاقتصاد العالمي، من أجل استعادة الثقة في النظام. موضوعنا اليوم هو نظام الضرائب على الشركات الدولية. وقد قال ألبرت آينشتين ذات مرة: إن "أصعب الأمور في العالم هو فهم ضريبة الدخل". قد يكون ذلك صعبا بالفعل، ولكن يمكن إقامة نظام لضرائب الشركات يعبر بصورة أفضل عن التغيرات في الاقتصاد العالمي.
أعتقد بأننا بحاجة إلى قواعد جديدة في هذا المجال. لماذا؟
لأن هناك تصورا شائعا بأن الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات تدفع قليلا من الضرائب، ما أدى إلى مطالبات سياسية باتخاذ إجراء سريع في هذا الصدد.
وليس من الصعب معرفة السبب.
أود إلقاء الضوء على ثلاثة أسباب تبرر الحاجة الملحة إلى منهج جديد.
أولا، إن السهولة التي يبدو أن الشركات متعددة الجنسيات تستطيع بها تجنب الضرائب، والتراجع الذي شهدته معدلات الضرائب على الشركات طوال ثلاثة عقود، يقوضان الثقة في عدالة النظام الضريبي ككل.
ثانيا، الوضع الحالي ينطوي على ضرر بالغ للبلدان منخفضة الدخل، حيث يحرمها من إيرادات تحتاج إليها بشدة لكي تتمكن من تحقيق نمو اقتصادي أعلى، والحد من الفقر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
ولطالما كانت الاقتصادات المتقدمة هي التي تحدد القواعد الضريبية التي تطبق على الشركات الدولية، دون النظر إلى كيفية تأثيرها في البلدان منخفضة الدخل.
فعلى سبيل المثال، يوضح تحليل الصندوق أن البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تخسر إيرادات قدرها نحو 200 مليار دولار أمريكي سنويا، أو نحو 1,3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بسبب نقل الشركات أرباحها إلى مواقع منخفضة الضرائب.
وهذه البلدان ينبغي أن تأخذ مقعدا على طاولة النقاش. ومن الأمور التي تساعد في هذا الخصوص وجود "منصة التعاون بشأن الضرائب"، وهي جهد مشترك بين الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والأمم المتحدة.
ثالثا، مع ظهور نماذج الأعمال ذات الربحية العالية والاعتماد الكبير على التكنولوجيا والتقنيات الرقمية، أصبح هناك زخم وراء إعادة النظر في نظام الضرائب على الشركات الدولية.
ونماذج الأعمال هذه تعتمد كثيرا على الأصول غير الملموسة، مثل براءات الاختراع أو البرمجيات التي يصعب تقدير قيمتها.
وهي توضح أيضا أن افتراض وجود رابطة بين الدخل والأرباح من ناحية والوجود المادي من ناحية أخرى هو افتراض عفا عليه الزمن.
وقد أدى هذا بدوره إلى إثارة شواغل تتعلق بالعدالة. فالبلدان التي يكثر فيها عدد مستعملي الخدمات الرقمية أو مستهلكيها ينتهي بها الأمر إلى تحصيل إيرادات ضريبية ضئيلة أو معدومة من هذه الشركات. لماذا؟ لأنها شركات ليس لها وجود مادي في تلك البلدان.
وبالتالي، لا شك أننا بحاجة إلى إعادة النظر بصورة جوهرية في نظام الضرائب الدولية.
لكن هذا يعني أن البلدان يجب أن تعمل معا. فتحقيق تقدم يتطلب التنسيق بينها جميعا، وفي الاتجاه الصحيح. إنها مهمة صعبة، ولكنها ممكنة.
والوسيلة الأساسية لتنسيق العمل متعدد الأطراف حول النظام الضريبي الدولي هو "الإطار الشامل" لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الذي ينضوي تحته الآن 125 بلدا عضوا. ويمثل هذا تقدما مبهرا في المشاركة متعددة الجنسيات، ولكن هناك مواطن ضعف لا تزال قائمة.
فماذا عن الصندوق؟ أرى أن لنا دورا في مساعدة البلدان على صياغة حل يتيح الاستقرار ويراعي مصالح البلدان النامية بصورة تامة.
ففي بحث جديد نشره الصندوق منذ أسبوعين، نحلل مختلف الخيارات في سياق ثلاثة معايير أساسية: معالجة نقل الأرباح والتنافس الضريبي بصورة أفضل؛ والتغلب على العقبات القانونية والإدارية أمام الإصلاح؛ وضمان الإقرار الكامل بمصالح البلدان الصاعدة والنامية.
كذلك يتضمن البحث استعراضا عاما لأهم الخيارات، علاوة على تحليل تجريبي يمكن الاسترشاد به في المناقشات المهمة الجارية حاليا.
ما الطرق الأخرى التي نقدم بها المساعدة؟
إننا نقدم المساعدة الفنية أيضا بشأن القضايا الضريبية لأكثر من 100 بلد سنويا؛ كما أن لدينا الخبرة المتخصصة لتقييم الأثر الاقتصادي للإصلاحات الضريبية.
ولعل الأفضل من ذلك كله أن عضوية الصندوق تضم كل بلدان العالم تقريبا، ما يتيح لنا فهم المشكلات الخاصة التي تواجه البلدان النامية.
وأود أن أختم مقالي بدعوة وحيدة واضحة تتعلق بمناقشاتكم. إن بنيان النظام الدولي لضرائب الشركات قد عفا عليه الزمن بشكل جوهري. ومن خلال إعادة النظر في النظام الحالي ومعالجة جذور ضعفه، يمكن أن تستفيد كل البلدان، بما فيها البلدان منخفضة الدخل.
وفي الوقت نفسه، نستطيع استعادة الثقة في عدالة نظام الضرائب الدولي بعد أن تراجعت على مر السنين. نستطيع استعادة هذه الثقة التي أصبحت ضرورة ملحة.