مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
عنوان المقال كان عنواناً لواحدة من جلسات مؤتمر «دبلوماسية البترول ٢٠١٩» الذي شاركت فيه مؤخراً في العاصمة الأمريكية واشنطن، وعقده معهد دول الخليج العربية للمرة الخامسة منذ إنشاء المؤسسة ويضم نخبة من الخبراء في مؤسسات عامة وخاصة، ومن الولايات المتحدة ودول الخليج العربية للتداول حول الاتجاهات البازغة في «أسواق الطاقة» و«السياسة الإقليمية».
وإثارة الموضوع لها أصول في التفكير الدولي راجعة إلى النتائج السلبية للطاقة الأحفورية والمتمثلة في ظاهرة «الاحتباس الحراري» الذي هو تجمع للمخرجات «الكربونية» لعمليات الاحتراق سواء كان ذلك في الصناعة أو وسائل المواصلات الخاصة والعامة أو لتوليد الكهرباء وغيره من العمليات الحيوية للدول.
الظاهرة ازداد اللغط حولها منذ قرر الرئيس الأمريكي الانسحاب من اتفاقية باريس الساعية إلى تقليص استخدامات النفط وغيره من مصادر الطاقة التي تسبب ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض مع كل ما يترتب على ذلك من سلبيات لها علاقة بذوبان الثلوج في القطب الشمالي، وارتفاع المياه في البحار والمحيطات معرضة بلداناً وجزراً للخطر الجسيم.
ولكن ما جعل إمكانية العيش بدون البترول قائمة حدوث تراجع كبير في إنتاج عدد من الدول بسبب أزماتها الداخلية مثل ليبيا وفنزويلا ونيجيريا، وفي دول أقل إنتاجاً مثل سوريا تراجع إنتاجها النفطي بشكل كبير.
ولكن الضربة الكبيرة في الإنتاج النفطي في العالم جاءت من مصدرين: أولهما إيران وهي من دول الإنتاج الكبير، وصاحبة قدرة إنتاجية كانت ٣.٨ ملايين برميل في اليوم في يناير ٢٠١٨ وتراجعت نتيجة الأزمة مع الولايات المتحدة إلى ٢.٢٥ مليون في يوليو ٢٠١٩ بانخفاض قدره يساوي مليون ونصف المليون برميل، وهو القدر الذي تستهلكه إيران ولا يبقى بعد ذلك للتصدير إلا النزر اليسير.
وثانيهما الاعتداء على منشأتين لشركة «أرامكو» السعودية، بحيث خرج مؤقتاً نصف الإنتاج السعودي من السوق العالمية. إذا وضعنا كل ذلك في الحسبان فإن العالم لا يكون عالماً بلا نفط ولكنه شحيح النفط بالتأكيد، ولا تكون حالة فقدان أهم مصادر الطاقة بعيداً عن التصور والخيال.
ومع ذلك فإن من تداولوا في الموضوع توصلوا إلى أنه رغم كل التطورات السابقة فإن العالم استطاع التواؤم والتكيف مع فقدان الكثير من المصادر النفطية لأن المملكة العربية السعودية كان لديها مخزون كاف للتعامل مع عملائها، كما كان لديها القدرة على الاستئناف السريع للإنتاج النفطي ولم يعد العالم في خطر بسرعة لم يتوقعها أحد.
ولا يقل عن ذلك أهمية أن أسعار النفط لم ترتفع بشكل حاد إلا ليوم واحد وبعدها أخذت الأسعار في التراجع إلى مستوياتها السابقة.
ولكن ذلك لا يعني وقف التفكير في هذا السيناريو الصعب على البشرية، ولا أن يكون هناك استسلام لمخاطر الطاقة النفطية على سلامة الكوكب. والثابت تاريخياً أن العالم عرف لوقت طويل استخدام «الخشب» كمصدر للطاقة، ثم بعد ذلك حل «الفحم» مكان الخشب، حتى كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية التي نقلت الدنيا كلها من هذا العصر إلى عصر البترول ثم الغاز.
والأرجح أن العالم الآن على أبواب نقلة جديدة لمصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والطاقة العضوية، بل أنه بات متصوراً الآن إعادة استخدام «الكربون» وتدويره مرة أخرى بعد استخلاصه من الأجواء الملوثة.
وعلى أي الأحوال فإنه رغم ذلك كله فإن النفط والغاز سوف يكونا مع البشرية لفترة طويلة قادمة لأسباب أولها زيادة الطلب عليهما من دول العالم خاصة في آسيا وطليعتها الهند والصين.
وثانيها أن هناك أكثر من مليار ومائتي مليون نسمة لا يتمتعون حتى الآن بالطاقة الكهربائية ومن المتوقع، كما حدث مع مليارات قبلهم، أنهم سوف يدخلون سوق الاستهلاك العالمي. وثالثها أن هناك زيادة في الطلب العالمي نتيجة ارتفاع مستويات المعيشة في دول العالم نتيجة النمو الاقتصادي المتسارع في الدول البازغة اقتصادياً في العالم مثل إندونيسيا وفيتنام.
ورابعها أن النفط والغاز ليسا فقط مصدر طاقة حركة المركبات وإنما هما مصدر هام للصناعات البتروكيماوية المفيدة لكثير من الصناعات والمنتجات. هذه العناصر كلها تقول إن عالماً بلا نفط ليس متصوراً في المستقبل المنظور، ولكن أخطار الأزمات لا تزال باقية!