مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
كنا حتى سنوات قريبة مضت نقيّم العام المنصرم بناءً على أحداث عشناها وحوادث عايشناها ومجريات الأمور من حولنا على كل الصعد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ولم تخرج جردات نهاية العام يوماً عن جهود إعلامية أو مبادرات فردية على شاكلة «الحدث الأهم» أو «الفنان الأنجح» أو «الهدف الكروي الأفضل» أو العكس، حيث تصنيف الأحداث بناءً على درجات السوء.
لكن سنوات الثورة المعلوماتية التي نجمت عنها هيمنة واضحة وشعبية جارفة لمنصات السوشيال ميديا أو التواصل الاجتماعي قلبت موازين التقييم ومعايير الجردات رأساً على عقب. بتنا أكثر قدرة على رؤية أنفسنا، والكشف عما يجول في خواطرنا، ومعرفة توجهاتنا واهتماماتنا وانتماءاتنا بشكل أكثر شفافية، ودون اضطرار للإنكار أو المواربة.
فالشبكة العنكبوتية قد تفسد التوجهات أو تشكل الرأي العام أو تبث أكاذيب أو معلومات مغلوطة تقلب بها الأوضاع رأساً على عقب، لكنها لا تكذب فيما يختص باختياراتنا.
البحث عن مباريات كرة القدم وفساتين الفنانات وحالة الطقس والحوادث الكبيرة والأحداث المؤثرة التي تصل إلى مسامعنا، فنسعى إلى الحصول على مزيد من التفاصيل عنها يخبرنا أننا في عالمنا العربي لا نختلف كثيراً في أولويات البحث عن بقية شعوب الأرض.
لكن المثير والمهم في التدقيق في هذه المؤشرات هو الصورة العامة التي يمكن رسمها للشعوب، والتي ربما تدحض محاولات البعض تصنيف هذا المجتمع باعتباره مغيباً عن الواقع، أو ذاك وكأنه مميز متفرد عن غيره.
عام من البحث على «غوغل» يخبرنا مثلاً في مصر أن المصريين بحثوا عن مباريات كرة القدم بفعالياتها المختلفة. البحث الكروي الذي يعكس شغفاً تاريخياً باللعبة الأشهر لم يُعِق بحثهم كذلك عن نتيجة الثانوية العامة بعبع البيوت ومصدر فرحتها أو نكستها.
وينتهي موسم الثانوية العامة ببحثه المضني وما يتبعه من أفراح وأتراح، ليبحث المصريون عن مسلسلات بعينها في رمضان، أو أغنيات مفرقعة بفعل موسيقى المهرجانات، أو فساتين فنانات أثارت ضجة وأشعلت جدالاً.
وبين الحين والآخر، يقفز البحث عن شخصية أثارت جدلاً بتصريحات أو مواقف غريبة أو مؤثرة، أو حدث غير عادي نجم عنه مقتل عشرات أو الكشف عن فساد أو الإعلان عن تغيرات.
وفي الإمارات وعلى مدار عام مضى، تم البحث بكثافة متوقعة عن مباريات كرة القدم أيضاً. وفي المقابل، هيمنت عبارة «اليوم الوطني الإماراتي» على البحث لتعكس ميولاً وطنية جارفة. ولم يخلُ بحث أهل الإمارات ومقيميها عن المسلسلات، لكن أغلب البحث جاء عن مسلسلات أجنبية، لا سيما تلك الرائجة على «نتفلكيس» وغيرها من تطبيقات المشاهدة.
كلمات البحث في عالمنا العربي جاءت «طبيعية». فهي عكست تراوحاً في الاهتمامات وتنويعاً فيها. فن وكرة وأحداث غريبة مع القفز للبحث عن سياسي رحل أو رياضي نجح أو أخفق أو حدث مؤسف أو مفرح.
وعلى الرغم من التوترات المستمرة في عدد من الدول العربية، والترقبات والتربصات التي تموج بها المنطقة، إلا أن كلمات البحث وما تعكسه من موضوعات وقضايا تشير إلى أن قطاعاً عريضاً من العرب وصل حالة «العادي».
حياة عادية فيها اهتمامات عادية تتأجج حيناً كرد فعل على حدث أو بحثاً عن معلومات مخفية، لكنها تعود لتصبح عادية بعد أيام. وهذا في حد ذاته جيد ومطمئن لا سيما بعد سنوات من الفوضى والطوارئ.
وسبحان مبدل الأحوال. ففي عام 2009، كانت كلمات مثل «ألعاب» و«صور» هي الكلمات الأكثر استخداماً من قبل الباحثين العرب. لكن في عام 2012 حدث تغير كبير رصده البنك الدولي في مقال مهم. فقد أصبحت «فيسبوك» هي الكلمة الأكثر بحثاً من قبل المستخدمين العرب.
هذا التغير في التوجه من الترفيه الصريح إلى التنقيب عن هذه المنصة الافتراضية التي نُسِب إليها «الفضل» في إشعال الأحداث المعروفة بما يسمى «الربيع العربي» يشير إلى أن المستخدم العربي يبحث عما يشغله، ولا يرضى بما يُقدم إليه رسمياً أو حتى فردياً.
وفي الوقت الذي كانت فيه دول غربية عدة تمجد وتبجل «فيسبوك» وكأنه «جيفارا» العالم العربي الذي لولاه لبقيت الدول المنتفضة في غياهب الظلم والقهر والظلمات، كانت هناك أصوات عدة في الدول العربية تعبر عن تخوفها من هذا الـ«فيسبوك».
البعض تشكك في نوايا مستخدميه، والبعض الآخر تخوف من أن يتم اختزال الحياة في بضع تدوينات ينتج عنها بضع «لايكات» و«تشاركات»، ويتم التعامل معها باعتبارها مرآة واحدة لا ثاني لها لمجريات الأمور.
وبينما نستقبل عاماً جديداً سيحمل حتماً كلمات بحث جديدة مع استمرار جانب من الكلمات القديمة، علينا أن ننظر بعين الاعتبار إلى ما نبحث عنه في منطقتنا، فهو مادة ثرية في فهم الثقافة وتحليل المجتمع والتعرف إلى حجم الاستقرار والاقتراب من معايير البحث الطبيعية التي تخبرنا أننا على ما يرام لحين إشعار آخر.