مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
في الأيام الأولى من العام الحالي 2021م، الذي قارب على الانطواء، أعلنت جمهورية أذربيجان تكريمًا رئاسيًا ودولتيًا وشعبيًا وتاريخيًا للشاعر نظامي الگنجوي، إذ تم بموجب مرسوم رئيس الجمهورية فخامة السيد إلهام علييف، إعلان العام المذكور “عام نظامي الگنجوي “، وذلك بمناسبة اليوبيل الـ٨٨٠ لهذا الشاعر الذي يُعتبر “مهندس الكلمة الأعظم” والمُخضرم والمَلحمي الرومانسي الأذربيجاني المُلهَم والعريق والفطحل، الذي غدا الاهتمام به على أوسع المساحات الثقافية والأدبية والجماهيرية في عالم العرب والعربية والعَجَم، وفي البلدان والقارات الأخرى، اعترافًا بفضائله الشاملة على البشرية، بغض النظر عن ألسنتها، وأديانها، وقومياتها وألوان بشرتها.
ولد الشاعر والمفكر نظامي الگنجوي في مدينة غنجى (وتسمّى بلغات ولهجات مختلفة: كنجة، وجنزة، أو جنجة، وهي إحدى كبريات مدن أذربيجان)، ومن أشهر مؤلفاته في عَالم العرب ” ليلى ومجنون”. واليوم، ونحن على أبواب انقضاء العام الحالي، نستذكر بكل تقدير الأنشطة والتدابير الكُبرى الناجحة التي اتخذتها حكومة أذربيجان في الفضاءات العلميّة والثقافيّة، المُقَامة في وطن هذا الشاعر والفيلسوف، والكُتب المنشورة التي هدفت إلى إعادة تقديم نظامي الگنجوي للشعب الأذري والشعوب المحيطة بأذربيجان وغيرها، للإفادة على الصعيد الإنساني العام، ذلك أنها تبقى حيوية وحديثة العهد ومتألقة، والسند الكبير للإنسان والإنسانيَّة وقضاياها في نُصرة العدل والمساواة والحقيقة في كل الأزمنة، ذلك أن شعوب الأرض تحتاج اليوم وكل يوم إلى أن تعود إلى أفكار نظامي الگنجوي لكونها تتسم بالرقي والرفعة والخطاب العالي المقرون بالسمو الروحي والعقلي، وسَعة إدراك العَالم ومرامي الحياة الإنسانيَّة المقدَّسة. ولهذا ولغيره الكثير من المُنطلقات والأسباب، اكتسبت روح الشاعر الأذربيجاني الكبير نظامي الگنجوي الشهرة الأبدية والبقاء في كل الدهور، وكذلك أفكاره والفضائل التي دعا إليها، إذ أضحت مُلكاً للمستقبل والحياة في كل الأزمنة التي ستتلاحق، ولتبقى عنوان نجاح للأمم كافةً التي تأخذ بها في مَدَارَاتِها الزَّمانية وإشراقاتها، ولتغرف من حقل هذا الشاعر الفضائل المِلاح والأفكار الرائدة.
يُصنِّف الأكاديمي عيسى حبيب بيلي، نائب رئيس أكاديميّة العلوم الأذربيجانية، كغيره من المُفكِّرين وآباء اللغة والأدب، اسم نظامي الگنجوي كواحد من أشهر كلاسيكيي الأدب العالمي. ذلك أن اسم نظامي الگنجوي (١١٤١–١٢٠٩) يَسطع دون توقف مانحًا الدفء والنور للمَعمورة من أذربيجان في الشرق الجغرافي العريق، لكونه الشخصية الأدبيّة البارزة التي تنتمي إلى كلّ البشريّة، وتحيطها بالعناية والحَدب الفكري بفضل تشكيلاته الإبداعية العملاقة والعميقة في معانِيها وأبعادِها. نظامي الگنجوي فَخرٌ قوميّ للشعب الأذري الذي ينتسب إليه. وإلى جانب ذلك هو يمثّل الأدب العالميّ في درجة عالية كهوميروس، ودانتي أليغييري، وميغيل دي ثيربانتس سابيدرا، ويليام شكسبير، وأبي العلاء المَعري، وعبد الرحَمن الجَامي، وعلي شير النوائي، ومحمد بن سلمان (فضولي)، هونور دي بلزاك وفيكتور هوغو.
منذ سنة “1970”، أي منذ افتتاح المَركز الثقافي السوفييتي في جبل عمَّان بالعاصمة الأردنيَّة عَمَّان، وعلى مدار عشرات السنين التي قبلها والتي بعدها، تابعتُ من خلال مكتبة هذا “المركز” الغنية، وفي أثير القسم العربي لإذاعة أذربيجان في باكو، ومجلة “أذربيجان السوفييتية اليوم”، التي صَدرت لسنوات طويلة عن الجمعية الأذربيجانية للصداقة والعلاقات الثقافية مع البلدان الأجنبية”، وكذلك على صفحات الصحيفة الأسبوعية “أنباء موسكو”، والمجلة الشهرية “الاتحاد السوفييتي”، و”النشرة الصحفية” اليومية الصدور التي كانت تُنْشَر يوميًا عن “المكتب الصحفي السوفييتي في عمّان”، والتي كنت أنا، كاتب هذه السطور، مُشارِكًا إلى جانب مدرائها أصدقائي الخُلُص، في المساهمة بإعدَادها ونشرها. أقول، كنت أتابع بنهمٍ المؤلفات المتلاحقة تدفقًا والمُكرَّسة لذكرى شاعرنا الكبير نظامي الگنجوي، الذي هو واحد من الأكثر شهرة وعبقرية بين الشعراء عبر التاريخ. ولهذا، ينتمي شاعرنا هذا لعَالَم الأدب والفكر والفلسفة، وبذلك نال المجد الأبدي، وتخلّد اسمه في مسقط رأسه أذربيجان، وفاخرت وتُفاخِر بعبقريته ونتاجاته الإنسانيَّة كل دول العالم التي تُعلي قيمة العقل والإبداع الأكثر تميزًا، والذي هو نتاج البيئة الأذربيجانية التي ينتمي صاحبنا إليها قلبًا وقالبًا. ولهذا، نشاهد إلى الآن كيف يشمخ التمثال الكبير لِ”نظامي الگنجوي” في العاصمة الأذرية باكو، وفي مدينة “گنجه” حيث ولد الشاعر، وإلى حيث ينتمي لوطنه أذربيجان فكرًا وعَقلَا ولِسَانًا وإبداعًا وقوميةً، إذ ما تزال تشمخ التماثيل والصور التي تعرض إليه في المدارس والجامعات والمتاحف والمؤسسات العلميّة والشوارع التي تحمل اسمه.
ذكرى نظامي الگنجوي وتماثيله تعلو واسمه يتألق دون توقف في البلدان العربية وفي أوساط مثقفيها ومجتمعاتها، كذلك مكانته في روسيا والصين وبلدان الغرب والشرق الأرضي، بمساندة ومتابعة وجهود تتعاظم باستمرار من لدن جمهورية أذربيجان المستقلة، التي تستمر هذه الأيام في احتفالاتها اليوبيلية الـ880 لميلاد نظامي الگنجوي بصورٍ مهيبة وشاسعة شساعة الدنيا.
*متخصص في شؤون أذربيجان.