مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
برزت أزمة السيولة النقدية مؤخراً نتيجة اختلال في الدورة النقدية، وقبلها كان البنك المركزي يقوم بضخ إيرادات الموازنة العامة من العملة الصعبة في السوق المحلي دورياً مقابل سحب العملة المحلية من السوق واستخدامها في تمويل نفقات الموازنة، ومع اندلاع الحرب توقفت صادرات النفط والغاز وتقلص دعم المانحين فساهم ذلك في اتساع عجز الموازنة العامة الذي بلغ ترليون و590 مليار ريال (نحو 7 مليارات دولار) قبل نهاية العام 2016، فانخفضت الإيرادات العامة للدولة ولم تعد قادرة على تغطية النفقات العامة، حتى تلك النفقات الخاصة بالمرتبات والأجور لموظفي الدولة وأصبحت إجمالي الإيرادات التي تحصل عليها الدولة لا تتجاوز في الواقع 30% من إجمالي النفقات الشهرية الضرورية.
ومع انهيار إيرادات الموازنة العامة للدولة لجأت المؤسسات المصرفية إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي للحصول على السيولة النقدية اللازمة لمواجهة طلبات عملائها حتى إجمالي تلك القروض حوالي تريليون و280 ميار ريال، وشكلت تلك القروض ما نسبته 80.3% من قيمة العجز وهو ما أَدَّى إلى نفادِ السيولة المتاحة في البنك المركزي في أغسطس الماضي، وعجزه عن صرف سداد فاتورة مرتبات موظفي الدولة. وهنا انقطعت الدورة النقدية وبرزت أزمة السيولة النقدية في السوق المحلية.
وقبل حدوث أزمة السيولة من العملة المحلية كانت هناك أزمة في السيولة من العملة الأجنبية والتي أدت إلى ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية وتدهورت قيمة الريال حتى تجاوز سعر الدولار الواحد 300 ريال يمني، وعلى إثرها حاول البنك المركزي تلافي ذلك التدهور من خلال ضخ ما تبقى لديه من الاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية وساعده في ذلك انخفاض العرض النقدي من العملة المحلية بسبب تفاقم أزمة السيولة من هذه العملة، ولذلك حافظ الريال اليمني نسبياً على ذلك السعر - 300ريال لدولار الواحد- خلال الأشهر القليلة الماضية.
مؤخراً تمكنت حكومة الشرعية من طباعة نقود جديدة من العملة المحلية بقيمة 200 مليار ريال يمني على إثرها أعلن رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر عن انتهاء أزمة السيولة النقدية في السوق المحلية.!!
هنا نتساءل كاقتصاديين..
هل فعلاً انتهت أزمة السيولة النقدية؟ وهل مبلغ 2000مليار ريال كافٍ لسد العجز الذي تسبب بتلك الأزمة؟!
هل لعملية الإصدار النقدي تلك مضاعفات سلبية على اقتصاد البلد وعلى المستوى الاقتصادي والمعيشي للناس؟
الواقع الذي يجب أن ندركه أن المبلغ الذي تم طباعته وقيمته 200 مليار ريال لا يشكل إلا ما نسبته 13% من إجمالي قيمة العجز الكلي الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، ولذلك فأن مشكلة العجز لن تحل في الواقع بمبلغ كهذا. لكن في المقابل يمكن القول أن هذا قد يساهم بشكل كبير في حل مشكلة السيولة اللازمة لتوفير المرتبات الخاصة بموظفي الدولة. وهكذا فمن المتوقع أن أزمة السيولة النقدية ستظل قائمة ولكنها بشكل أخف مما كانت عليه من قبل.
وبغض النظر عن مدى قدرة ذلك المبلغ في تغطية العجز النقدي الحالي فهناك جانب آخر يجب أن لا تغفل عنه الحكومة الشرعية والبنك المركزي على وجه الخصوص، وهذا الجانب يتعلق بالآثار السلبية المتوقعة نتيجة إصدار كميات جديدة من النقد المحلي، فمما هو معروف أن إصدار كميات جديدة من النقود وبدون أي غطاء نقدي من العملات الأجنبية سيقود بلا محالة إلى تضخم في أسعار السلع والخدمات وتدهور سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
وما يبدو عليه الواقع حتى الآن أن عملية الإصدار النقدي التي قامت بها حكومة الشرعية لم تعتمد على أي غطاء نقدي لها من العملات الأجنبية، لذلك فمن المتوقع أن يسهم حل أزمة السيولة عن طريق الإصدار النقدي إلى خلق أزمات اقتصادية لا تقل حدتها عن أزمة السيولة الحالية خصوصاً في ظل معلومات تتحدث عن قيام الانقلابيون بطباعة نقود جديدة سيقومون في المدى القريب بإدخالها إلى السوق المحلية وذلك بعد أن تمكنوا من الحصول على الأرقام التسلسلية وبعض المعلومات التي ينبغي أن يراعى بها مبدأ السرية في النقود التي قامت حكومة الشرعية بطباعتها مؤخراً، وبعبارة أوضح فقد لجأ الانقلابيون إلى عملية تزوير كبيرة للعملة المحلية وسوف يقومون بضخها إلى السوق المحلية تزامنا مع ضخ البنك المركزي في عدن للنقود التي أصدرها مؤخراً، وفي حال تم ذلك فأن هذا سيقود بدون شك إلى تدهور كبير في سعر العملة المحلية وسيعمل أيضاً على فرض جرعات سعرية كبيرة في أسعار السلع والخدمات..
طبعاً لا يتسع المقام هما لشرح السيناريوهات المحتملة التي نتوقع أن تواجهها حكومة الشرعية واليمنيين بشكل عام، لكننا نستطيع القول أنه ينبغي على حكومة الشرعية أن تشرع في التفكير ببدائل وخيارات ممكنة في حال تحققت بعض السيناريوهات السلبية المحتملة، ولعلّ أهم ما يمكن أن تفكر فيه الحكومة هو خيار طباعة نقود جديدة – شكلاً أو مضموناً_ وأن تبحث عن دعم كافي لتعزيز وضع البنك المركزي وتكوين احتياطيات نقدية كافية من العملات الصعبة والتي ستخفف من حدة التأثيرات السلبية المتوقعة.