نقل البنوك اليمنية من صنعاء إلى عدن وتعز.. خطوة لإنقاذ الاقتصاد أم بداية لمزيد من الضغوط والتعقيدات؟

عدن ■ التنمية برس ■ خاص:

 

■ في خطوة غير مسبوقة تحمل تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة، أعلنت ثمانية بنوك يمنية نقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن ومحافظة تعز، في ظل تصاعد الضغوطات على القطاع المالي والمصرفي بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد جماعة الحوثي الإرهابية. وبينما رحّب البنك المركزي اليمني في عدن بهذه الخطوة، مؤكداً التزامه بتوفير بيئة مالية آمنة ومستقرة، تبرز تساؤلات كبيرة حول تأثير هذا القرار على مستقبل الاقتصاد الوطني والنظام المصرفي في اليمن.

❖ دوافع وأسباب نقل البنوك:

العقوبات الأمريكية وتأثيرها المباشر

جاء قرار نقل البنوك في أعقاب العقوبات الأمريكية على الحوثيين، التي استهدفت شبكات مالية مرتبطة بالجماعة، ما أدى إلى تشديد القيود على التعاملات المالية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. هذه العقوبات دفعت البنوك إلى إعادة النظر في مواقعها التشغيلية للبحث عن بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا.

الضغوط الحوثية على القطاع المصرفي

طوال السنوات الماضية، فرضت جماعة الحوثي سياسات مالية قسرية على البنوك العاملة في صنعاء، بما في ذلك:

تجميد الأرصدة وتحويل الأموال لصالح عملياتهم العسكرية.

فرض قيود على التحويلات المالية بين صنعاء وعدن.

إجبار البنوك على الامتثال لقوانين غير معترف بها دوليًا.

هذه السياسات جعلت عمل البنوك في صنعاء شديدة الخطورة وغير مستدامة، مما دفعها إلى البحث عن ملاذ آمن في عدن.

ترحيب البنك المركزي في عدن وفرص الاستقرار المالي

في المقابل، رحّب البنك المركزي اليمني في عدن بهذه الخطوة، متعهّدًا بتقديم الدعم الكامل للبنوك المنقولة، وتوفير بيئة مصرفية آمنة ومستقرة من خلال:

تسهيل عمليات التحويلات المالية الداخلية والخارجية.

إعادة تفعيل أنظمة الدفع الإلكتروني والبنية التحتية المصرفية.

ضمان استقلالية البنوك عن أي تدخلات سياسية، على عكس الوضع القائم في صنعاء.

❖ التأثيرات الاقتصادية والمصرفية:

1. انعكاس القرار على القطاع المصرفي

تحرير النظام المصرفي من سيطرة الحوثيين، مما يمكنه من استعادة وظائفه الأساسية بشكل أكثر كفاءة.

احتمال حدوث ازدواجية مصرفية مؤقتة بين صنعاء وعدن، مع استمرار بعض المؤسسات المالية في العمل تحت ضغوط الحوثيين.

تحسن الثقة لدى المستثمرين والتجار، مما قد يشجع على تحويل الحسابات المصرفية إلى المناطق المحررة.

2. تأثيره على الاقتصاد الوطني

نقل البنوك إلى عدن ومن ضمنها بنك التضامن والذي سيتخذ من مدينة تعز مركزاً رئيسياً لمزاولة نشاطه المصرفي قد يؤدي إلى تحسين الرقابة المالية وإدارة النقد الأجنبي، مما قد يساعد على استقرار العملة الوطنية.

مع ذلك، قد يتسبب في تعميق الأزمة المالية في صنعاء، حيث تعتمد معظم الأنشطة الاقتصادية على البنوك الموجودة هناك.

الشركات والتجار قد يواجهون تحديات في إعادة توجيه معاملاتهم المالية، خاصة في ظل الانقسامات المالية القائمة.

❖ الأبعاد السياسية لنقل البنوك:

1. ضربة قوية للحوثيين

فقدان السيطرة على البنوك يعني تراجع قدرة الحوثيين على إدارة الاقتصاد في مناطق سيطرتهم.

العقوبات الأمريكية جنبًا إلى جنب مع نقل البنوك قد تجعل الجماعة تواجه أزمة مالية خانقة، مما قد يضعفها اقتصاديًا.

2. تعزيز موقف الحكومة الشرعية دوليًا

نقل البنوك إلى عدن يعزز شرعية البنك المركزي اليمني، ويمهد الطريق أمام المجتمع الدولي للتعامل معه كسلطة مالية وحيدة في البلاد.

قد يساعد هذا التحول على إعادة توحيد النظام المصرفي، وهو ما تطالب به المؤسسات المالية الدولية منذ سنوات.

❖ ردود الفعل المحتملة من مختلف الأطراف:

1. الحوثيون: تصعيد وردود انتقامية؟

قد يفرض الحوثيون قيودًا جديدة على التعاملات المالية في صنعاء، لمنع مزيد من الشركات والأفراد من التعامل مع البنوك في عدن.

قد يحاولون تطوير أنظمة مالية موازية عبر شبكات الصرافة غير الرسمية.

2. البنك المركزي في عدن: تحديات المرحلة الجديدة

أمام البنك المركزي مسؤولية كبرى في تأمين نجاح هذا الانتقال عبر تقديم إصلاحات مصرفية حقيقية.

يحتاج إلى تعزيز علاقاته مع المؤسسات الدولية لضمان تدفق الأموال والتحويلات عبر القنوات الرسمية.

3. القطاع التجاري والاستثماري: بين المخاوف والفرص

المستثمرون والتجار قد يكونون بين خيارين: المجازفة بنقل أعمالهم إلى عدن أو البقاء في صنعاء تحت القيود الحوثية.

إذا نجح البنك المركزي في عدن في توفير استقرار مالي، فقد يشجع الشركات الكبرى على التحول تدريجيًا نحو المناطق المحررة.

❖ السيناريوهات المستقبلية:

السيناريو الأول: نجاح الحكومة في استيعاب البنوك

في هذه الحالة، سيتم إعادة بناء الثقة المصرفية تدريجيًا، وقد يبدأ الاقتصاد في المناطق المحررة بالانتعاش.

البنوك قد تستعيد قدرتها على العمل بحرية، مما يسهل إعادة تدفق الأموال والاستثمارات.

السيناريو الثاني: إخفاق الحكومة في إدارة التحول المصرفي

إذا لم تتمكن الحكومة من توفير بيئة مصرفية آمنة، فقد يفقد القطاع المصرفي الثقة، مما قد يؤدي إلى عودة العشوائية المالية وانتشار السوق السوداء.

وقد تواجه البنوك المنقولة صعوبات في الاندماج داخل النظام المصرفي في عدن، مما يهدد استقرارها.

السيناريو الثالث: تصعيد الحوثيين ضد البنوك والاقتصاد

قد يلجأ الحوثيون إلى فرض مزيد من القيود المالية والعقوبات على المؤسسات التي تنقل عملياتها إلى عدن.

في هذه الحالة، قد تتجه البنوك إلى تطوير حلول مصرفية بديلة لمواجهة الضغوط الحوثية.

❖ خطوة ضرورية لكن محفوفة بالمخاطر:

وبهذا السياق يشكّل نقل البنوك من صنعاء إلى عدن نقطة تحوّل كبيرة في المشهد المالي اليمني. فهو من جهة يفتح الباب أمام استعادة الاستقرار المصرفي، لكنه في المقابل يفرض تحديات صعبة على البنك المركزي اليمني والحكومة الشرعية.


 وفي هذا الصدد يمكننا التعمق أكثر في التحليل عبر الملف الصحفي الخاص من خلال استعراض الأبعاد السياسية والتجارية والاستثمارية لنقل البنوك، وكذلك مواقف الأطراف المختلفة وردود الفعل المحتملة.

الأبعاد السياسية لنقل البنوك من صنعاء إلى عدن

تحمل هذه الخطوة أبعادًا سياسية كبيرة تتجاوز الجانب الاقتصادي والمصرفي، حيث تعكس تصاعد المواجهة بين الحكومة الشرعية والحوثيين على السيطرة المالية والنقدية. ومن أبرز هذه الأبعاد:

1. إضعاف قبضة الحوثيين على الاقتصاد

منذ سيطرتهم على صنعاء، عمل الحوثيون على إحكام قبضتهم على القطاع المصرفي، وفرضوا سياسات مالية موجهة لخدمة مصالحهم، مثل استحداث "الريال الإلكتروني" ورفض تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية.

خروج البنوك من صنعاء يعني خسارة الحوثيين إحدى أهم أدواتهم الاقتصادية التي كانوا يعتمدون عليها في تمويل أنشطتهم العسكرية والسياسية.

هذا قد يؤدي إلى تعميق أزمتهم المالية، خاصة مع فرض العقوبات الأمريكية عليهم، مما قد يحد من قدرتهم على الوصول إلى الأموال المحلية والدولية.

2. تعزيز موقف الحكومة الشرعية دوليًا

من خلال انتقال البنوك إلى عدن، تعمل الحكومة على إعادة توحيد النظام المصرفي، ما قد يعزز من فرص الحصول على دعم دولي لمؤسساتها المالية.

البنك المركزي اليمني في عدن سيكون أكثر قدرة على تنفيذ سياسات نقدية موحدة، مما قد يساعد على استقرار العملة الوطنية وتحسين الوضع المالي.

مع ذلك، نجاح هذه الخطوة يتوقف على مدى قدرة الحكومة على تأمين بيئة مصرفية مستقرة وآمنة للبنوك والقطاع الخاص.

التأثير على القطاع التجاري والاستثماري

نقل البنوك إلى عدن لا يقتصر تأثيره على العمليات المصرفية، بل يمتد إلى القطاع التجاري والاستثماري، حيث تواجه الشركات والمستثمرون عدة تحديات وفرص:

1. تأثيره على التجار والشركات الكبرى

معظم التجار ورجال الأعمال في اليمن كانوا يعتمدون على البنوك في صنعاء، ونقلها إلى عدن قد يعطل العمليات التجارية مؤقتًا حتى يتم تكييف الأنظمة المصرفية الجديدة.

بعض الشركات قد تواجه صعوبات في تحويل أموالها أو إجراء المعاملات التجارية الخارجية، خاصة إذا كانت لا تزال تحتفظ بحساباتها في صنعاء.

ومع ذلك، فإن توفر بيئة مصرفية مستقرة في عدن قد يشجع المستثمرين على إعادة توجيه أنشطتهم نحو المناطق المحررة.

 

ردود الفعل المحتملة من الأطراف المختلفة

1. رد فعل الحوثيين:

من المتوقع أن يحاول الحوثيون عرقلة هذا الانتقال بطرق متعددة، مثل تهديد البنوك التي تغادر صنعاء أو فرض إجراءات مالية تعقد عملياتها في عدن.

قد يسعون أيضًا إلى تطوير أنظمة مصرفية موازية، مثل استخدام مزيد من شركات الصرافة وشبكات تحويل الأموال غير الرسمية لتعويض غياب البنوك.

يمكن أن يؤدي ذلك إلى انقسام مالي أعمق بين صنعاء والمناطق الخاضعة للشرعية، مما يزيد من التحديات أمام المواطنين والتجار.

2. موقف البنك المركزي اليمني في عدن:

يسعى البنك المركزي إلى إثبات قدرته على إدارة القطاع المصرفي بفعالية، لكن نجاحه يتطلب إصلاحات سريعة، مثل تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني وضمان التدفقات المالية السلسة.

كما سيحتاج إلى بناء الثقة مع المجتمع المصرفي الدولي لضمان استعادة العمليات المصرفية الخارجية.

أي إخفاق في إدارة هذه العملية قد يفاقم حالة عدم الاستقرار المالي ويؤدي إلى تدهور أكبر في قيمة الريال اليمني.

3. الموقف الدولي والمؤسسات المالية:

قد تنظر المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى هذا التحول بشكل إيجابي، باعتباره خطوة نحو إعادة هيكلة الاقتصاد اليمني.

ومع ذلك، فإن دعم المجتمع الدولي سيعتمد على مدى قدرة الحكومة على توفير بيئة آمنة وشفافة للبنوك والمؤسسات المالية.

كما قد تتطلب هذه الخطوة تنسيقًا أوثق مع البنوك الإقليمية والدولية لضمان استمرار التحويلات والمعاملات المالية الخارجية.

 

نجاح الحكومة في استيعاب البنوك في عدن:

في هذه الحالة، قد تتمكن الحكومة من استعادة السيطرة الكاملة على القطاع المصرفي، مما يؤدي إلى استقرار مالي ونقدي أكبر.

قد تبدأ الشركات والمستثمرون في تحويل أعمالهم نحو المناطق المحررة، مما يعزز النمو الاقتصادي.

فشل الحكومة في إدارة القطاع المصرفي الجديد:

إذا لم يتمكن البنك المركزي في عدن من توفير بيئة مصرفية مستقرة وآمنة، فقد تتراجع الثقة بالنظام المالي.

قد يؤدي ذلك إلى استمرار انقسام السوق المالية بين صنعاء وعدن، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية.

تصعيد حوثي لتعطيل عمل البنوك في عدن:

الحوثيون قد يفرضون عقوبات مالية على التجار الذين يتعاملون مع البنوك في عدن، أو يلجؤون إلى إجراءات غير قانونية لسحب الأموال والسيطرة على المدخرات.

في هذه الحالة، قد تتفاقم الأزمة المالية في صنعاء، مما قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

خاتمة: فرصة لإنقاذ الاقتصاد أم بداية لمزيد من التعقيدات؟

▪︎ويعتبر نقل البنوك اليمنية من صنعاء إلى عدن خطوة فارقة في المشهد الاقتصادي والمصرفي للبلاد، حيث يمكن أن تؤدي إلى إنقاذ القطاع المالي من سيطرة الحوثيين، لكنها أيضًا تنطوي على مخاطر كبيرة إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح.


وفي النهاية، نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة الحكومة الشرعية على توفير بيئة مصرفية آمنة، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، إضافة إلى دعم دولي يساعد على استقرار النظام المالي. فهل ستتمكن عدن من استعادة دورها كمركز مالي رئيسي، أم أن اليمن سيواجه مزيدًا من الانقسام الاقتصادي؟