مجتمع مدني
تقليص المساعدات الخارجية يحرم ملايين الفقراء من المساعدات ودعوات لتوحيد الجهات لمواجهة التحديات !
- نظم مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، ندوة حول تداعيات تراجع التمويل الدولي على الوضع الإنساني في اليمن، هدفت الندوة إلى مناقشة تداعيات تراجع التمويل الإنساني الدولي على الوضع الإنساني والاقتصادي في اليمن وتسليط الضوء على فجوات التمويل وتأثيرها على الاستجابة الإنسانية والخدمات النازحين والبحث عن حلول وسياسات بديلة لضمان استمرارية تقديم المساعدات والخدمات الأساسية.
- وفي افتتاح الندوة التي شارك فيها عدد من الخبراء الاقتصاديين وممثلين عن المنظمات الدولية والمحلية، والمهتمين بالشأن الاقتصادي والإنساني في اليمن، قدم مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي عرضا عن الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن، جراء تراجع الدعم الإنساني لليمن.حيث أكد نصر، على أن الأزمة الإنسانية والاقتصادية في اليمن ما تزال تتفاقم رغم سريان الهدنة الإنسانية منذ عام 2022، مشيرًا إلى أن التراجع في العمليات العسكرية لم يُقابله أي تحسّن ملموس على الصعيدين الاقتصادي أو الإنساني.
- وأوضح نصر أن أكثر من ثلثي السكان باتوا يرزحون تحت خط الفقر، في ظل تصاعد معدلات النزوح وتدهور مؤشرات التنمية، وعودة تفشي الأوبئة، وتردي الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه.وبيّن أن المساعدات الإنسانية، التي شكلت لعقود أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي في البلاد، تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة خلال عام 2025، حيث لم يُغطَ سوى 9 إلى 10 في المئة من إجمالي الخطة الإنسانية السنوية المقدرة بـ2.5 مليار دولار، وعزا هذا التراجع إلى مجموعة من المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، من بينها تداعيات الحرب في أوكرانيا وتقليص التزامات عدد من الدول المانحة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي كانت قد قدمت منذ عام 2015 ما يزيد عن 6.4 مليار دولار، قبل أن تُوقف دعمها في فترة إدارة الرئيس ترامب.وأشار نصر إلى أن هذا الانكماش في التمويل أدى إلى توقف برامج إنسانية أساسية في عدة محافظات، منها مشاريع الحماية الاجتماعية، والدعم النقدي، وبرامج "النقد مقابل العمل"، ما ساهم في تفاقم التضخم نتيجة شح العملات الأجنبية وانخفاض تدفقات الدعم الدولي.من جانبه اشار إبراهيم الحداد، رئيس وحدة المعلومات والتحليل والاتصال في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في اليمن، إلى أن العمل الإنساني في اليمن يمر بمرحلة غير مسبوقة من التحديات، حيث لم يُجمع سوى 9.59 مليون دولار من أصل 2.47 مليار مطلوبة لخطة الاستجابة للعام 2025، وهو تراجع حاد مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة التي شكلت 50% من التمويل في 2024.
- وأوضح الحداد أن تعدّد الأزمات في العالم، ولا سيما في أوكرانيا والسودان وغزة، أدى إلى إعادة ترتيب أولويات التمويل لدى المانحين، مما انعكس سلبًا على وضع اليمن، حيث يقدّر عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية بنحو 19.5 مليون شخص. وتعود هذه الاحتياجات المتزايدة إلى تراكمات عشر سنوات من الصراع، والانهيار الاقتصادي، والنزوح، والتغيرات المناخية، وتردّي البنية التحتية.وأكّد أن بعض المنظمات أوقفت أنشطتها أو أغلقت مكاتبها، ما استدعى تخفيض حجم خطة الاستجابة لتستهدف 8 ملايين شخص فقط، بدلاً من 10.5 مليون، مع تقليص الموازنة إلى نحو مليار دولار.
- كما نبه إلى التحديات الأمنية المستمرة، مثل الغارات الجوية واعتقال موظفين أمميين ودبلوماسيين، ما زعزع ثقة المانحين وأعاق العمل الإنساني.وأشار الحداد إلى أن هناك توجهًا لإعادة هيكلة العمل الإنساني، من خلال تقليص النفقات ودمج بعض القطاعات، مع تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، ودعم المؤسسات المحلية، باعتبارها الأقدر على تلبية الاحتياجات الفعلية. كما شدد على أهمية الوصول إلى المناطق النائية والمهمشة، محذرًا من ازدواجية التدخلات، إذ تعمل نحو 56 منظمة في منطقة واحدة سهلة الوصول.وأكد الحداد ضرورة توحيد جهود المؤسسات الدولية والمحلية لمواجهة التحديات المستمرة، مثل تفشي الكوليرا وأزمة الكهرباء، واستعادة الثقة مع المانحين، بما يضمن تحسين كفاءة الاستجابة وتقديم صورة دقيقة وشاملة عن الواقع الإنساني المعقّد في اليمن.
- وفي سياق الندوة استعرض سيف مثنى، مدير عام الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، حجم الكارثة الإنسانية المرتبطة بالنزوح الداخلي في اليمن، مشيرًا إلى وجود أكثر من 4.3 مليون نازح، بينهم نحو 2.2 مليون في محافظة مأرب وحدها، موزعين على مئات المواقع والمخيمات.وأوضح أن التراجع الحاد في التمويل الإنساني، لا سيما انسحاب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أدى إلى توقّف أكثر من 70% من مشاريع إدارة المخيمات، و60% من برامج الصحة والتعليم في مأرب، رغم استمرار السلطات المحلية في تقديم قوائم الاحتياجات والتقارير الميدانية.وانتقد مثنى زيارة المنسق الإنساني للأمم المتحدة إلى مأرب، واصفًا إياها بأنها "سلبية وغير كافية"، مؤكدًا أن المحافظة رغم استضافتها 62% من إجمالي النازحين في البلاد—تم استثناؤها من منحة صندوق الأمم المتحدة للعام 2025، ما شكّل صدمة كبيرة للسلطات المحلية والمنظمات العاملة فيها.
- كما أشار إلى تواصل فتح مخيمات جديدة نتيجة تزايد النزوح المستمر يوميا، لافتًا إلى أن أكثر من 18 ألف أسرة نازحة مهددة بالإخلاء بسبب التدهور الاقتصادي وغياب الموارد.ودعا مثنى إلى التحوّل التدريجي من الحلول الطارئة إلى التدخلات التنموية المستدامة، بما في ذلك بناء مساكن عمودية للنازحين، ومنحهم ملكية الأراضي، إلى جانب دعم الاقتصاد المحلي، مؤكدًا أن الحل الحقيقي يبدأ بمعالجة جذور الأزمة اليمنية سياسيًا واقتصاديًا.من جهته، تساءل جمال بلفقيه، منسق الهيئة العليا للإغاثة، عن الأسباب التي أدت إلى بلوغ الوضع الإنساني هذا المستوى من التدهور، رغم الدعم السخي الذي حصلت عليه اليمن في المراحل الأولى من الأزمة.
- ورأى بلفقيه أن سوء التنسيق بين المنظمات الدولية والسلطات الشرعية والمحلية أسهم بشكل كبير في هذه النتيجة، حيث لا تزال الكثير من المنظمات تركز على المناطق سهلة الوصول، متجاهلة المناطق النائية التي تعاني من أعلى معدلات الاحتياج.ودعا إلى اعتماد نهج اللامركزية في العمل الإنساني، من خلال إنشاء مراكز إغاثة جغرافية تغطي المحافظات المختلفة وتضمن وصول المساعدات بطريقة أكثر عدالة وفعالية. كما انتقد التراجع الحاد في دور برنامج الغذاء العالمي، مؤكدًا أن الدورات الحالية من المساعدات النقدية والعينية لا تغطي الحد الأدنى من احتياجات الأسر.
- وشدد بلفقيه على أهمية التحوّل نحو التنمية وسبل العيش المستدامة، مشيرًا إلى ضرورة تحديد الأولويات وتنسيق الجهود بين مختلف الجهات الإنسانية.أما بشرى الوسواس الخبيرة في العمل الإنساني والتنموي، فقد قدّمت رؤية استراتيجية تدعو إلى عقد سلسلة جلسات حوارية لمراجعة أسس التدخل الإنساني في اليمن.وأكدت أهمية اعتماد مفهوم "الترابط الثلاثي" والذي يجمع بين تقديم المساعدات الطارئة، وتنفيذ مشاريع تنموية مستدامة، وتهيئة الظروف لبناء السلام، باعتباره الإطار الأشمل والأكثر فعالية لمعالجة الأزمة.وانتقدت الوسواس الاعتماد المفرط على توزيع السلال الغذائية، ووصفتها بأنها تؤدي إلى خلق "مجتمع اتكالي"، مطالبة بمراجعة شاملة لهذه السياسات. كما دعت إلى توطين العمل الإنساني لتقليل التكاليف التشغيلية الباهظة للمنظمات الدولية، وتحويل هذه الموارد لخدمة الشعب اليمني، الذي بات بمعظمه في وضع هشّ.وختمت بالتأكيد على أن المجتمع اليمني يجب أن يتصدر مشهد المناصرة والدفاع عن قضاياه، بدلًا من الاعتماد الكلي على حملات المناصرة الدولية، التي لم تكن فعّالة بالقدر المأمول.
- وفي ختام الندوة دعا المشاركون إلى إعادة النظر في النهج الإغاثي القائم، والتحول نحو مقاربة إنمائية مستدامة ترتكز على تفعيل الموارد المحلية ودعم مؤسسات الدولة، إلى جانب ضرورة استئناف الحوار مع الشركاء الدوليين، وبناء تحالف وطني يشمل القطاع الخاص والمجتمع المدني للخروج من هذه المرحلة الحرجة.