حصري وانفراد| ظاهرة غلاء المهور وارتفاع الأسعار تكبح حلم الشباب نحو الزواج

التنمية اليوم - التنمية برس / تقرير : سليم المعمري

ارتفاع الأسعار سبب لانتشار العنوسة بين الفتيات

ملاك محل ملابس: ملابس العرسان أصبحت تسابق الدولار

مدير قاعة أفراح: الدولار سبب لارتفاع أسعار القاعات

بائع ذهب: خلال نصف عام ارتفع الذهب بنسبة 200%

عريس: بسبب الغلاء نلجأ لإقامة الزواج الجماعي

قاض: عزوف الشباب عن الزواج سببه الغلاء الفاحش

ناشط اجتماعي: متطلبات الزواج واحدة من المشاكل الاجتماعية

 

مقدمة

تدهور قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية له تداعياته وانعكاساته على المعيشة والاستقرار الأسري والزواج، فلم يعد بوسع الشباب اليمني أن يكون قادرا على توفير تكاليف الزواج في ظل الارتفاع الجنوني لمتطلباته، فالمهر يرتفع بارتفاع الأسعار وارتفاع سعر المجوهرات بدرجة رئيسية، ناهيك عن ارتفاع مستلزمات الزواج الأخرى... "التنمية اليوم" قامت بالاهتمام بهذا الملف والاطلاع عن كثب حول هذا الموضوع وخرجت بالحصيلة الآتية إليكم تفاصيلها:

 

الأزياء تسابق الدولار 

يقول محمد علي الدبعي - مالك محل للملابس بالشيخ عثمان - إن الأزياء وملابس العرسان أصبحت تسابق الدولار نحو الصعود، وهذا يزيد من معاناة الشباب المقبلين على الزواج.

ولفت أن الأزياء والملابس المتعلقة بالعريس ارتفعت بنسبة 250% عما كانت تباع بالسابق بسبب عدم استقرار العملة المحلية وارتفاع الأسعار الأجنبية.

وبيّن الدبعي أن سبب ذلك هو نقل البضائع من الصين وتركيا والهند، حيث أصبح تكاليف نقلها غالية بسبب ظروف البلد التي تمر بها. لافتا أن نقل البضائع من الخارج إلى الوطن كانت تستغرق سابقا شهرًا فقط لكن في الوقت الحالي يستغرق الأمر ثلاثة أشهر بسبب التحويل إلى جدة ثم ميناء عدن.

ويشير أن هذه التنقلات عليها رسوم باهضة ابتداءً من الميناء مرورا بالجمارك ثم النقاط الممتدة من الميناء إلى آخر نقطة في الجنوب بسبب الإتاوات، وهذا ينعكس سلبا على الأسعار. 

ارتفاع غير مسبوق 

رفعت اليهري - مدير محل الأناقة للذهب والمجوهرات – يقول: "إن الذهب ارتفع ارتفاعا جنونيا في زمن قياسي وسط صمت مطبق من الجهات المختصة بالحكومة والمحافظة والمديرية، والضحية هم الشباب".

وواصل قائلا: "إن الذهب اليوم يباع الجرام الواحد بـ55 ألف وهذا أثقل كاهل الشباب المقبلين على الزواج مما يجعلهم يقومون بتأجيل العرس وآخرين يضطرون لإلغاء الزواج مما يتسبب بارتفاع نسبة العنوسة في مجتمعنا".

ويشير أن ارتفاع الذهب للجرام الواحد بـ55 ألف كسر علينا السوق وحركة البيع والشراء. مطالبا الحكومة بإيقاف انهيار العملة المحلية. 

ويضيف أنه خلال نصف عام ارتفع الذهب بنسبة 200% حيث كان بداية العام يباع الجرام بـ25 ألف لكن اليوم بعد منتصف العام يباع بـ55 ألف وقابل للارتفاع إذا لم تتدخل الحكومة.

سبب الارتفاع 

مالك إحدى القاعات - رفض الإفصاح عن اسمه – يقول: "الزواج في الوقت الحالي أتعب الشباب؛ بسبب ارتفاع الأسعار في السلع الرئيسية، وانهيار العملة المحلية، وارتفاع أسعار الذهب الجنوني، فأصبح الشاب عندما يتزوج يعتبر هذا إنجازا كبيرا. مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار القاعات سببه انهيار العملة المحلية. 

وتابع قائلا: "إن أسعار القاعات ترتفع بسبب ارتفاع الدولار الذي أثر سلبا على حركة العمل بالقاعات من خلال استقبال الحفلات والمناسبات والفعاليات".

وبين أنه قبل انهيار العملة كانت القاعة بـ200ألف ريال كحد أعلى و70 ألف كحد أدنى مما جعل الإقبال كبيرا نحو القاعات؛ لكن بعد ارتفاع الدولار أصبحت القاعة بـ500 ألف كحد أعلى و200 ألف كحد أدنى ويعود هذا بسبب ارتفاع أسعار الصرف. 

إقامة أعراس جماعية 

شاب عريس يدعى محمد باقطيان يقول: "لجأ الكثير من شباب وأبناء حضرموت إلى إقامة الزواجات الجماعية، عبر جمعيات ولجان خاصة بها، واعتبرها الكثيرون الحل الوحيد والمناسب للزواج لتوفير تكاليف الزواج الكثيرة، في هذا الظرف الاستثنائي التي تمر به البلاد".

وأفاد أيضا أن لهذه الظاهرة أثر إيجابي باعتبار أنه يجمع ويدعو فيها العريس كثيرًا من أقاربه بعكس الشخص إذا تزوج لحاله، وهي ظاهرة اجتماعية جميلة وعادة رائعة انتشرت في عموم حضرموت، وخصوصاً واديها، ساهمت في إسعاد الكثير من الشباب.

ستر وليست تجارة

بدوره يقول العريس علي أحمد محمد عبد الله من أبناء تعز: "ارتفع الذهب بشكل مضاعف وحاجيات العرس تضاعفت أيضا ونحن العملة حقنا هابط! يعني العريس يقتتل قتل ويرجع ينسحب بعدين وتزيد العنوسة في البنات.

ويشير إلى أن "الزواج للستر مش تجارة يعني الآن كل أب يريد في بنته سعر ذاك يشتي كذا وكذا والأب الثاني يشتي كذا مما يجبر العريس على الانسحاب وهو داخل من الباب برجله اليمين".

ويضيف: "هل ممكن نسرق علشان يستر بنت الأب الذي فرض عليه المهر القاتل؟ هو يشتري رجال يصون بنته طول العمر مش يوم ولا ليلة، اتقو الله في بناتكم وأولادكم، اليوم بيزوج بنته بكره بيزوج ابنه وكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا".

وأضاف: "إن زرعت خيرا حصدت خيرا وإن زرعت شرا حصدت مثله وإن لم تزرع وبصرت حاصدا ندمت على التفريط في زمن البذر، أي ازرع خيرا في بنتك تحصده في ابنك".

أعباء الشباب 

أبوبكر علي الحشيبري – إعلامي – يقول: "تدهور العملة وارتفاع الأسعار بالتالي ارتفاع تكاليف الزواج أعباء على الشباب الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة مع ارتفاع معدلات البطالة في صفوفهم".

ويضيف: "لقد دفعت هذه الظروف كثيرا من الشباب إلى الالتحاق بالتشكيلات العسكرية وجبهات القتال لتوفير تكاليف الزواج، وهذا سيكون له آثار كارثية سيعاني منها الشباب والبلد مستقبلاً".

عنوسة مبكرة 

أما القاضي جواد النابهي فقال: "أصبح الشباب في الآونة الأخيرة لا يفكر بالزواج بل يعزف عنه وذلك بسبب ارتفاع التكاليف الباهظة للزواج وملحقاته ابتداء بدفع المهر وشراء الذهب وانتهاءً بتكاليف الصالة وأجرة السكن، في ظل عدم توفر فرص للعمل، كل هذا دفع الشباب إلى الحفاظ على عزوبيته".

وواصل قائلا: "أما عن الآثار السلبية لعزوف الشباب عن الزواج فهي كثيرة، فمنها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع نسبة العزوبية بين أوساط الشباب والشابات في المجتمع مما قد يؤدي إلى العنوسة المبكرة".

ضريبة قاسية 

حسين باشريف - صحفي من حضرموت- قال: "الزواج في الوقت الحالي له ضريبته القاسية على المقبلين عليه، فأصبح الشباب لا يقدرون أن يوفروا متطلبات الزواج الكبيرة والمثقلة على كاهلهم في ظل ظروف استثنائية تعصف بالبلاد. فنجد الكثير يستدينون مبلغاً كبيرا لعدم قدرتهم على توفير كافة المتطلبات الرئيسية، هنا في حضرموت أصبح الكثير يقتصرون بتوفير المتطلبات الرئيسية فقط، فبدلاً من إقامة حفلة غنائية أو سمرة، أصبحوا لا يقيمونها، وبدلاً من إقامة اللحم في وجبات الزواج، صاروا يستخدمون البديل كالدجاج أو الصيد أو غير ذلك للتوفير أو تقليل التكاليف". 

ارتفاع نسبة العنوسة 

علي عواس - ناشط اجتماعي – أوضح قائلا: "طبعاً غلاء المهور ومتطلبات الزواج واحدة من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الكثير من الشباب وتؤدي إلى ارتفاع نسبة العنوسة وتأخير سن الزواج أو الامتناع عنه نتيجة لصعوبة الحياة وارتفاع نسبة البطالة وقلة الدخل".

وأردف: "هذا لا شك يسبب الكثير من الآثار السلبية لدى الشباب من كلا الجنسين من حرمانهم من تأسيس أسرة وفقدان الاستقرار الاجتماعي، وهذا يؤدي إلى اضطرابات نفسية، ومع أننا مجتمع محافظ لكن ذلك يجر بعض الشباب إلى الانحطاط الأخلاقي والذهاب نحو المحرمات وهذه كارثة سيدفع ثمنها المجتمع نفسه".

عزوف عن الزواج 

علي منتصر علي القباطي - متخصص بحقوق الإنسان- يقول: "أصبح الشباب يعزفون عن الزواج في ظل تدهور العملة وعدم مراعاة أولياء الأمور لهذا الوضع المؤسف".

ويضيف: "أخطر من ذلك تحول تفكير الشباب بشكل سلبي وسينجرون وراء الانحراف الأخلاقي وباعتقادي نتائج هذه الظروف سيتحملها الشباب ذكورا وإناثا".

العزوف عن الزواج

ناصر أحمد ناصر - إعلامي مستشفى الصداقة – قال: "أكثر الشباب لا يفكرون بالزواج لأن الزواج مسؤولية وفي ظل ارتفاع الأسعار لا أحد سيفكر بالزواج". مردفا: "لهذا آثاره السلبية من انتشار الحرام بين الشباب والبنات والتحرش الجنسي وغيره".

تداعيات بالمعيشة

أحمد ناصر حميدان - كاتب صحفي وناشط نقابي – قال: "تدهور قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية له تداعياته في المعيشة والاستقرار الأسري والزواج. لم يعد بوسع الشاب اليمني أن يكون قادرا على توفير تكاليف الزواج في ظل الارتفاع الجنوني لمتطلباته، فالمهر يرتفع بارتفاع الأسعار، ارتفاع سعر المجوهرات بدرجة رئيسية، ومستلزمات الزواج الأخرى بما نسميه نحن (الدفع) كل ما تشتريه الأسرة للعروس، إضافة إلى ارتفاع إيجار قاعات الاحتفالات وغيرها من متطلبات تلك الاحتفالات".

وأشار قائلا: "يبقى أمام الشباب فرص تعاون أولياء الأمور وتقديرهم لغلاء المعيشة وعدم مقدرة الشباب في توفير الحد المرتفع من المهور وتكاليف حفل بهيج، وتخفيف المتطلبات لحدها الأدنى، وكما كان يقال في السابق (نشتري راجل) عبارة تعني تخفيف عبء تكاليف الزواج من قبل أولياء الأمور".

وأوضح أن "اختلاف الشباب باختلاف الفروق الفردية بينهم، منهم من اجتهد في عمل خاص ومشروع خاص بسيط وتحسن دخله، ومنهم من انخرط في الجيش والأمن، وآخرون كانوا أكثر حظا في التوظيف في مرافق الدولة أو العمل مع المنظمات، وكلٌ يحاول أن يشق طريقه لتحسين مستوى الدخل ليستطيع توفير متطلبات الزواج".

تخفيف العبء

يتحدث سعيد إبراهيم - متخصص اجتماعي- قائلا: "من المؤسف اليوم ما يحدث في بلدي من حرب عبثية وقودها الشباب، فتحدث هوة بين نسبة الشباب والشابات، ويسبب العنوسة، وكثر عدد الأرامل والأيتام، وكثر تعدد الزوجات لذوي الدخل الفائض".

ولفت أن "هناك من وجد شريكة حياته التي تستطيع أن تشاركه في توفير جزء من متطلبات الزواج وتخفف عنه العبء، ولا ننسى منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والمكونات السياسية التي تسهم في زواج جماعي يخفف من عبء تكاليف الزواج الفردي ويسهم في توفير فرص زواج للشباب". 

عقبة تطال الشباب 

أما عبد الكريم الدالي - ناشط عدني رئيس مجلس عدن السياسي الموحد – فقال: "انهيار سعر صرف الريال أدى إلى ارتفاع الأسعار لكل السلع بما فيها الذهب، وهكذا يكون هذا الارتفاع بالأسعار عقبة غير عادية أمام الشباب في الزواج إلا أنه لتجاوز هذه العقبة لن يكون إلا بتفاهم مجتمعي يهدف إلى التوافق بين الأسر لتقديم التنازل بالتراضي وتخفيف المهور ومحاربة ظاهرة غلاء المهور وتكاليف الزواج المبالغ فيها والمراد منها حب التظاهر الكاذب".

انتشار الشذوذ والاغتصابات 

أما محمود أنيس الميسري - رئيس مؤسسة سلام للتنمية وحقوق الإنسان – يقول: "في ظل ما تشهده البلاد من انهيار تام للعملة وارتفاع عالٍ للذهب وكل مستلزمات الحياة فإن الزواج لأي شاب في بداية حياته أصبح من الأمور الصعبة والمستحيلة". مشيرا إلى أنه "من يفكر بالزواج يبقى يفكر لشهور وسنوات عن كيفية تجميع تكاليف الزواج والمهر وليس هذا فقط إنما بسبل الحياة فيما بعد الزواج".

ويضيف: "كما أن هناك الكثير من يرى مراسيم الزواج طريقة للبذخ والتفاخر بين الناس والأهل من حيث المبالغة بالطلبات التي تنزل على الشاب هموم متتالية، منهم من لا يستطيع توفيرها فيتعذر". لهذا نتمنى من الأهالي مراعاة الظروف والأوضاع التي يمر بها الشباب خاصة في ظل انعدام الوظائف والأعمال المناسبة، حيث أن أغلب الشباب لا تتجوز مرتباتهم 60 أو 70 ألفًا لا غير تكاد لا تكفي مصروف أسرة مكونة من أربعة أشخاص لمدة لا تتجاوز نصف الشهر".

وبين الميسري أن الآثار السلبية لذلك كثيرة لا تحصى، فمن الشباب - إن لم يكن أكثرهم - للأسف يذهبون نحو الجبهات للقتال بالساحل الغربي والحدود السعودية ضد سلطة الأمر الواقع بصنعاء مقابل ألف ريال سعودي لا غير والتي قد يخسر بها حياته أو يعود بإعاقة دائمة. كما أن من الآثار السلبية انتشار ظاهرة العزوبية بالإضافة للعادات السلبية وانتشار حالات الاغتصاب والشذوذ الجنسي والتي تضر النسيج المجتمعي ولا يرضاها ديننا الإسلامي الحنيف والفطرة السليمة".

معاناة كبيرة 

تقول الإعلامية حنان فضل - رئيسة الإدارة الإعلامية لانتقالي الشيخ عثمان- : "أصبح الشباب يعانون كثيراً من ارتفاع الأسعار وخاصة غلاء المهور الذي يكسر ظهورهم زاد من معاناتهم أكثر فأكثر، وكما ترى هناك من التحق بالجيش لكي يستطيع أن يوفر له مالا للزواج ومتطلباته بل يخاطر بروحه من أجل أن يكمل نصف دينه".

وتشير قائلة: "مع الأسف ليس هناك جهات تتكفل بتسهيل تكاليف الزواج للشباب بل يفكرون بتسهيل تكاليف الزواج للمتزوج لكي يتزوج الثانية وهذا غير منطقي. يجب إعطاء الأولوية للشباب الذين لم تسنح لهم الفرصة بالزواج حتى يكونوا أسرة ويعيشون حياتهم في كنف السكينة والاستقرار، وهذا أيضاً يحد من انتشار العلاقات المحرمة التي قد يقع فيها الشباب".

واختتمت بالقول: "على كل من يريد عملا خيرا أن يسهل تكاليف الزواج للشباب وخاصة مع ارتفاع الأسعار التي كسرت ظهورهم ونحن مسلمون وفي بلد عربية مسلمة وليس العكس".