مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
يعتقد بعض المسؤولين أن أكبر تحديات إدارة العنصر البشري في منشآتنا تدور حول الحصول على تأشيرات العمالة، ثم بعد ذلك تأتي أنظمة العمل الجديدة وكيفية تفادي تكاليفها والاستفادة من فسحها؛ لذا تنحصر أحاديثهم "الاستراتيجية" عن تقليل تكلفة وعدد الموظفين وتشغيلهم بعقود التوريد وغير ذلك من أمور مشابهة. كل هذا يحدث قبل النظر في كيفية الاستفادة من العنصر البشري بما يكفل احترامه وينظر في تنميته لمصلحة المنشأة الدائمة، بشكل يتفق مع أو يطور من نموذج العمل القائم. بل إن بعضهم يعتقد أنه يقدم امتيازات لا تقدر بثمن إذا أرسل عددا من موظفيه للتدرب خارج البلاد وكأن التدريب مجرد منفعة مادية بديلة للموظف تقوم على سخاء المحفزات لديه. لن أمر على فروق المفاهيم بين إدارة شؤون الموظفين وإدارة رأس المال البشري، ولكنني سأستعرض مقتطفات من بحث نشر أخيرا على هارفارد بزنس ريفيو يدور حول كيفية إدارة المنشآت لثلاثة عناصر مهمة ذات علاقة مباشرة بتسخير طاقات الموظفين وحل تحديات التعامل مع العنصر البشري، وهي: الوقت، الموهبة والطاقة.
لماذا هذه العناصر الثلاثة؟ يقصد بالوقت عدد الساعات التي يضعها الموظف لأداء عمله، والموهبة هي مجموع القدرات والمهارات التي يستحضرها أثناء العمل، والطاقة هي درجة الارتباط والشغف والتركيز الذي يستخدمه للاستفادة من وقته وموهبته لعمله. طريقة الدمج بين هذه العناصر تحدد درجة الإنتاجية والمنفعة الاقتصادية التي يمكن أن تصل لها المنشأة. وبالطبع، لا يحدد الموظفون درجة أو طريقة الدمج هنا، وإنما قيادة المنشأة التي يمثلها في الجانب التطبيقي المسؤولون عن إدارة الكفاءات البشرية. أثبتت الدراسة أن الشركات التي تحسن الدمج بين متطلبات ومحفزات هذه العناصر تعظم بطريقة مباشرة من استفادتها من موظفيها، وتتقدم تنافسيا على الآخرين، وتحسن من بيئة العاملين عندها خصوصا من النواحي التحفيزية.
حسب الدراسة، تخسر الشركات في المتوسط أكثر من 20 في المائة من قدرتها الإنتاجية بسبب التفاعلات المضيعة للوقت. تنقسم المسببات هنا إلى جزأين، الأول تنظيمي والآخر سلوكي. تتحمل إدارة الموارد البشرية الجانب التنظيمي، وذلك بافتراض أن هؤلاء المختصين في القدرات البشرية هم أفضل من يصمم أو يبدي رأيه حول الهياكل التنظيمية (وما يتبعها من إجراءات وأنظمة) لتخرج إلى أرض الواقع بشكل فعال. يرتبط الجانب السلوكي تحديدا بالثقافة السائدة وما يتبعه من أنظمة لرصد وضبط وإدارة القيم والآراء والقرارات على مستوى المنشأة. مرة أخرى، تتحمل إدارة الموارد البشرية جزءا كبيرا من إدارة هذه الجوانب أو على الأقل الاهتمام بها أو التأثير في قيادة المنشأة للاهتمام بها. على عكس ما يجب أن تقوم به إدارات الموارد البشرية المحلية في هذه الجوانب التنظيمية والسلوكية، نجدها تدعم التغيير في الهياكل التنظيمية للتخلص من الموظفين، وهي أيضا تروج بسياساتها الجافة للإحباط واللامسؤولية وربما لسلوكيات غريبة يتحول فيها الموظف إلى محترف في التخلي عن المسؤولية وإلقاء الاتهامات والمجاملات الفارغة والسخرية من الأنشطة الإبداعية ليتحول في النهاية إلى مبدع في مقاومة المبادرات والمحفزات.
تشير الدراسة إلى ارتفاع الإنتاجية بنسبة 30 في المائة عند الشركات التي تهتم بالمواهب والقدرات. وهذا الاهتمام –على عكس المتوقع– لا يكون بتكديس المواهب وزيادة حصة المنشأة منها مقارنة بالمنافسين، وإنما بالاستخدام الأمثل لها. على الرغم من ندرة المواهب إلا أن مشقة استغلالها بعد التوظيف أعلى من تكلفة الحصول عليها. لتنمو الإنتاجية بشكل سريع يتطلب الأمر قيادة فذة وتوزيعا ذكيا للمواهب داخل فرق العمل. بالتوزيع المخطط له جيدا وليس بالتكديس تتمكن المنشآت الرشيقة من استغلال المواهب ودمجها بشكل يحسن من الإنتاجية بطريقة مؤثرة. من جانب آخر، تمثل الطاقة في نظر الباحثين ميزان المعادلة مقابل الوقت والموهبة. الموظف النشط الملهَم على سبيل المثال ينتج أعلى من الموظف الراضي بمرتين، فكيف يا ترى ستكون المقارنة بالساخط والبائس من الموظفين؟
بالطبع يعرف المتخصصون في الموارد البشرية وتنمية رأس المال البشري كثيرا من الاستراتيجيات التي يمكن تطبيقها للتعامل مع هذه الجوانب. ولكن ما يحدث محليا في كثير من الحالات هو تضييع في الوقت على الأمور الإدارية التي لا تصنع القيمة؛ وسرعان ما تتجه المنشأة، التي لا تعي الثروة التي تملكها وما يمكن أن تصنع، إلى قرارات كان يجب أن تكون آخر المحاولات وليست أولها. المهمة ليست سهلة، ولكنها تقع على عاتق القيادات التنفيذية للمنشأة ويتحمل فيها المسؤول عن إدارة الموارد البشرية مع الرئيس التنفيذي الجزء الأكبر من المسؤولية سواء كانت المهمة في إدارة التغيير الثقافي أو التواصل المؤسسي أو تفعيل الحوكمة والقيم المشتركة. في نهاية الأمر لا أجد عذرا للمسؤول الذي يتدرب في أفضل الأماكن ويتم تعويضه بأفضل المنافع ولكنه لا يروج لأفضل الممارسات.