مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
"بإدخال نظام آلي إلى إدارة خدمة العملاء، نكون قد لففنا حبلا حول أعناقنا. فقد أصبحنا الآن خاضعين للمساءلة".
هذه الملحوظة لأحد المديرين بالمرفق العام للمياه والصرف الصحي في نيروبي تسجل بإيجاز التأثير الذي أحدثه الصوت السحري MajiVoice، وهو نظام إلكتروني يتلقى شكاوى العملاء، ويساعد المديرين على إسناد حلها إلى موظف معين، ثم يتتبع خط سير مراحل الحل، ويخطر العميل بأحدث المستجدات عبر الرسائل الهاتفية القصيرة. ونتيجة لذلك، زاد معدل حل المشكلات بمقدار الضعف، فيما تقلص الوقت الذي يستغرقه حل المشكلة بنسبة 90 في المائة.
يظهر برنامج MajiVoice أن التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تؤدي إلى تحسين قدرات القطاع العام ومساءلته في بيئة تضعف فيها الإدارة الرشيدة. لكن، هل يمكن محاكاة هذا النموذج؟ هل تستطيع هذه التكنولوجيا الرقمية التي تتراجع تكلفتها باطراد وتزداد انتشارا - يبلغ عدد مستخدمي الهاتف المحمول في العالم حاليا نحو 4.7 مليار مستخدم - أن تحرك البوصلة نحو الإدارة الرشيدة وأن تخضع المسؤولين البيروقراطيين لمزيد من المساءلة؟
بالطبع هناك الكثير من الصخب حول التأثير الثوري والمعطل للتكنولوجيا الجديدة. يواجه تطبيق التكنولوجيا في الحكومة صعوبات وإحباطات، حسبما علم عديد من قيادات فرق البنك الدولي التي عملت بمشاريع معقدة لإدارة نظم المعلومات. لكن الخبر السعيد هو أنه مع بعض المكملات المتماثلة، فإن التكنولوجيا الرقمية يمكنها بالفعل أن تحسن الإدارة الرشيدة بدرجة كبيرة وسريعة نسبيا.
وفيما يلي ما نعرفه:
أولا: التكنولوجيا الرقمية يمكنها أن تساعد في الحد من تغيب مقدمي الخدمة من خلال تحسين الرقابة.
لقد رأينا بعض الحالات التي كثيرا ما يتغيب فيها المدرسون والأطباء والممرضات عن المدارس والعيادات في البلدان الفقيرة، ويعود ذلك في جانب منه إلى صعوبة الرقابة على الحضور، ولا سيما في المناطق الريفية. كما أن المشرفين أنفسهم يمكن أن يتغيبوا عن وظائفهم أو يتواطؤوا مع من يفترض أنهم يراقبونهم. الهواتف المحمولة يمكن أن تخفف من هاتين المشكلتين بالرقابة التقليدية لأنها توفر معلومات عن الحضور يصعب التلاعب فيها نسبيا، وتساعد على جمع المعلومات من الموقع ومشاهدتها على الفور. ويبين التقييم الذي أجري لآثار ذلك في الهند وباكستان وأوغندا نجاح الرقابة عبر الهاتف المحمول، حيث أدت إلى انخفاض معدلات التغيب من قبل مقدمي الخدمات الحكومية بنحو 25 في المائة.
ثانيا: يمكن للحكومة الإلكترونية زيادة قدرة المالية العامة للدولة، والحد من التسربات في الإنفاق، وتحسين الشفافية، من خلال ميكنة المهام وعدم ترك تقدير الأمور لأهواء المسؤولين الحكوميين. فقد أدى إدخال نظام التسجيل والتحقق وأنظمة الدفع الإلكترونية في الخطة الوطنية إلى ضمان العمل في المناطق الريفية"، وهي أكبر برنامج للعمالة في العالم، إلى الحد من إساءة تخصيص الأموال بنسبة 35 في المائة. كما أدى طرح المناقصات إلكترونيا إلى زيادة التنافس في التوريد وتحسين جودة الطرق في الهند وإندونيسيا.
وخفض الإفصاح الضريبي ودفع الضرائب عبر الإنترنت من تكلفة الامتثال الضريبي بنسبة 16 في المائة، وفقا لما كشفت عنه القياسات عند حلول موعد إعداد ودفع الضرائب في عينة كبيرة من البلدان.
ثالثا: تعمل ميكنة العمليات بشكل جيد خاصة عندما تقترن بآليات للتقييم من قبل المستخدم الرقمي، كبرنامج MajiVoice. وتنشط مراكز الخدمة الإلكترونية من مجمع واحد في عدد من البلدان - مثل ألبانيا وأذربيجان والبرازيل والهند وكينيا، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وتساعد مراكز الخدمة المتكاملة هذه الشركات والمواطنين على الحصول على خدمات إدارية شتى "مثل الترخيص والتسجيل" من منفذ واحد. وتعتمد المراكز بكثافة على تكنولوجيا المعلومات: لدراسة الطلبات، وتتبع خط سيرها، وقياس درجة رضا العميل لتقييم أداء مقدمي الخدمة.
وتساعد المراكز الموجودة في ولاية كارناتاكا الريفية بالهند المواطنين في الحصول على عدة مستندات منها شهادات الميلاد والوفاة. وفي المتوسط، تقل الزيارات بواقع 3.4 في المائة، وتقل مدة الزيارة عن 58 دقيقة، كما تقل احتمالات طلب الحصول على رشوة بنسبة 50 في المائة في هذه المراكز مقارنة بالمكاتب الحكومية المعتادة.
مع هذا، ففي كل هذه الأمثلة، تتطلب التكنولوجيات الرقمية على الأقل القليل من المكملات المتماثلة - مديرين متفانين ودعما سياسيا - كي تكون مؤثرة. إذ لا تثمر الرقابة الرقمية على الغياب إلا إذا كان هناك نوع من الثواب والعقاب المرتبط بالحضور والغياب. ففي أوغندا، تحتاج الرقابة إلى أن تصاحبها مكافآت للمدرسين على الأداء، أما في الهند وباكستان، فقد يفتر تأثير الرقابة أحيانا نتيجة إحجام السياسيين عن معاقبة المتغيبين عن تقديم الخدمة.
دون قيادة سياسية قوية، فإن مشاريع الأتمتة يمكن أن تفشل في ظل مقاومة البيروقراطيين وذوي المصالح الخاصة للإصلاحات. ولن تفيد آراء المستخدمين إلا إذا كان هناك ما يحفز المواطنين على استخدام هذه القناة، وإذا تسنى تفعيل هذه الآراء من قبل مقدمي الخدمة. على سبيل المثال، يهتم المواطنون على الأرجح بسلع خاصة تتصل بهم مباشرة، كإمدادات المياه للمنازل، أكثر من اهتمامهم بسلع عامة مثل الطرق والخدمات البلدية. ومع هذا، فإن الأدلة تظهر أن التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تدعم السياسيين والمسؤولين المخلصين الذين يوجدون حتى في أشد ظروف الإدارة صعوبة، حيث تمنحهم أداة للتجريب والتصدي للمشكلات وهو ما كان يبدو في وقت من الأوقات أمرا مستعصيا على الحل. ومن ثم، فإن البيروقراطية الإلكترونية يمكن أن تكون نقطة انطلاق لإصلاح النظم البيروقراطية.