«التنمية» مصطلح استخداماته واسعة في مجالات شتى، إلا أن استخدامه «التنمية» مصطلح استخداماته واسعة في مجالات شتى، إلا أن استخدامه في المجال الاجتماعي يكسبه سعة وعمقاً غير عاديين، لأنه يصبح شاملاً لجميع المحاور التي تتعلق بحياة الفرد والعائلة والمجتمع والكيان السياسي دستوراً وقوانين.
للتنمية فلسفة وأهداف وأساليب ولها معيقات كذلك، فلسفتها المعاصرة تستند إلى المعرفة، وهو ما يعني تنمية علمية مستدامة تعمل على تضمين البعد البيئي في الخطط المعتمدة على المستويات الاقتصادية والتربوية والصحية والمجتمعية، وتأخذ بنظر الاعتبار تضمين حقوق المرأة والطفل، وخلق المقومات ليصبح العراق بلداً يرتبط بالأسرة الدولية بعلاقات إيجابية على المستويين الإقليمي والدولي.
أما الأهداف فيمكن تلخيصها برفع مستوى معيشة الفرد عبر زيادة دخله المادي وتعزيز مستوى الخدمات التعليمية والصحية والمجتمعية المتاحة له، أما أساليب تحقيق ذلك فتكمن في الإدارة الجيدة والخطط المتبعة على الأمدين القريب والبعيد للاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة، ومن الموارد البشرية المتوافرة، وتوظيف العلاقات الإقليمية والدولية في ذلك.
أما المعيقات فهي كثيرة في مقدمتها الفساد السائد في مؤسسات الدولة على شتى المحاور والترهّل الشديد في هياكل هذه المؤسسات وفقدان الرؤية نحو بناء الدولة وفق معايير معاصرة على أسس المواطنة وليس المحاصصة وخوض حراك سياسي وفق الاصطفاف في تيارات «سياسية» وليس في تيارات «مكوناتية».
والحقيقة ليس هناك من معنى للحديث عن التنمية، ما لم يكن هناك استقرار سياسي وأمني ودولة تتمتع بالسيادة على خططها وقراراتها.
في تقرير صدر في الأول من أكتوبر 2018 عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية ورد فيه أن عدد سكان العراق قد تجاوز 38 مليون نسمة حسب تقنية الإسقاطات السكانية .
حيث يزداد عدد السكان سنوياً بما يتراوح بين 850 ألفاً إلى مليون شخص، علماً بأن آخر عملية إحصاء ميداني للجهاز قد جرت عام 1997. والحقيقة أن هذا الرقم يستوجب بعض التوقف للتعرف على مدى تأثير هذه الزيادات السكانية على مستقبل البلد على الأمد البعيد.
المتابع لحركة الزيادات السكانية هذه ينتابه القلق من سرعة القفزات في فترات زمنية قصيرة، فقد بلغ عدد سكان العراق وفق إحصائية عام 1979 اثني عشر مليون نسمة ارتفع إلى ستة عشر مليون نسمة في إحصائية عام 1987 ثم إلى اثنين وعشرين مليون نسمة في إحصائية عام 1997.
هذه الزيادات السكانية تعتبر من المعدلات المرتفعة نسبياً في العالم، فوفق جدول التوقعات السكانية لعام 2019 الصادر عن الأمم المتحدة يبلغ معدل النمو السكاني السنوي في العراق 2.28% فهو يزيد على نظيره في مصر (2%) وفي الباكستان (2.1%) الدولتين اللتين تعانيان من الزيادة السكانية.
هذا مقابل معدل منخفض جدا في المعدل السنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي البالغ (0.6 %) مقارنة بنظيره في مصر (5.3 %) وفي الباكستان (5.4 %) وفق تقرير البنك الدولي لعام 2018. الزيادة السكانية تلقي بأعباء كثيرة على قطاع الخدمات عامة وتلقي بتداعياتها على قدرات الدولة على التعامل معها.
فالنمو الاقتصادي، وتحسن مستوى المعيشة لا يتوقف فحسب بل يبدأ بالتراجع مع استمرار بقاء أو توسع هذه الفجوة بين حجم النمو السكاني، وحجم النمو الاقتصادي المتعثر منذ سنوات عدة بفعل الفساد والديون الخارجية والتذبذبات بأسعار النفط والتراجع الكبير في دور الصناعات الوطنية في الاقتصاد.
النمو والتطور لا يتأتيان بزيادة عدد السكان بل بزيادة فرص التنمية على مختلف المحاور خاصة في دولة كالعراق تعاني من ضغوطات إقليمية على مصادر مياهها تجعلها تعيش في شح مائي يفرض قيوداً شديدة على قطاع الزراعة، آخذين بنظر الاعتبار أن مصادر الدخل القومي الرئيسية ثروة ناضبة وهي النفط الذي شكلت إيراداته 86% في موازنة 2018، في حين شكلت الإيرادات غير النفطية شاملة الضرائب والرسوم النسبة المتبقية.
في ضوء ذلك يصبح من الضروري أن تضع الدولة في دائرة اهتماماتها مسألة الزيادة السكانية كأحد العوامل المعيقة للتنمية ومعالجة ما يتصل بها من حساسيات بحكمة، والعمل على نشر الوعي والثقافة والاستفادة من تجارب الشعوب، التي سبق أن نجحت في معالجة قضايا من هذا القبيل.
( عن صحيفة البيان الإماراتية )*