مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
يشار إلى النهضة الآسيوية بأنها معجزة اقتصادية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ونقصد هنا نهضة دول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، فليس كل آسيا كما نراها في شرقها، فهناك تُصنف الدول بأنها تفوقت على حدودها الجغرافية ونهضة بشعوبها نحو آفاق لم يكن تصورها يخطر في بال أفضل الحالمين، هناك في شرق آسيا يكمن سر خطير مكن شعوب تلك الدول من النهضة بأنفسهم وصناعة أكبر اقتصادات العالم، وهم أنفسهم الذين دمرتهم الحروب وقتلت منهم عشرات الملايين؛ متى؟! قبل 50 إلى 70 سنة ليس بالزمن البعيد حتى نقول إن نهضتهم جاءت بعد وقت طويل، ففي الحقيقة أن نهضتهم بدأت بعد أقل من 20 عاماً من تلك الحروب الطاحنة؛ فما هو السبب؟، هل تعلمت شعوب شرق آسيا أكل السمك أم اصطياده؟.
تقول الحكمة الصينية «إذا أردت أن تساعد إنساناً جائعاً، فلا تعطه سمكة، وإنما علمه كيف يصطاد»، هذه الحكمة التي علمها الصينيون لأبنائهم، وهي ذات الحكمة التي غابت عن الكثير من الشعوب، هذه الحكمة لم يتعلمها الصينيون فقط إنما تعلمها اليابانيون أيضاً، فمعجزة اليابان مازالت أعظم المعجزات وهي تحتل أكبر اقتصادات العالم.
ليست الصين واليابان وحدهما من علمت أبناءها الصيد إنما أيضاً كوريا وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، ومؤخراً تعلم الفيتناميون هذا الدرس أيضاً، هذه الدول والتي تُعد من أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان، حيث يبلغ عدد سكان الصين وحدها ما يعادل خُمس تعداد سكان العالم، ورغم هذا إلا أن الصين استطاعت أن تنقل شعبها من تحت خط الفقر لمستويات عالية جداً، وأصبح الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وستتربع على عرشه قريباً، فما هو السر الذي اتبعته الصين لتصل لما وصلت إليه اليوم؟!.
من يراقب الأسواق الناشئة سيجد أن فيتنام تنافس بقوة لتكون من ضمن أكبر المكونات الاقتصادية العالمية، فبعد أن مزقتها الحرب، وبعد أن خسرت الملايين من أبنائها جراء الحرب الأهلية ها هي اليوم تدخل عوالم الإنتاج وتجذب المستثمرين من حول العالم ليفتحوا مصانع بداخلها، بل تتخذ من أرضها العديد من شركات التكنولوجيا مقراً لها، فتشير الدراسات أن واحداً من بين خمسة هواتف ذكية في العالم يتم إنتاجها في فيتنام.
وهو نفس السر الذي نهضت به اليابان وخرجت من أزمة هيروشيما، فقد بدأت بالتعليم في العراء لتعلم أجيالها كيفية الصيد، وهو ذات النهج الذي سارت عليه الصين فقد تمكنت من إنقاذ ما لا يقل عن 600 مليون إنسان من الموت والجوع بأن عملت على تمكينهم وتعليمهم وجعل منهم أقوى الأيدي العاملة في العالم، وهو بالطبع السر وراء تحول سنغافورة من دولة يأكلها البعوض؛ من دولة المستنقعات إلى دولة الاقتصاد الجديدة، والقائمة تطول ممن نهضوا بشعوبهم عن طريق التعليم والاهتمام بالإنسان فهو المحرك الأساسي للنهوض والتقدم.
السر العجيب ليس بالأمر الصعب وليس بأعجوبة لا يمكن الوصول إليها، إنما بالإرادة والإدارة يمكن بلوغ الهدف، والحديث هنا موجه للأشخاص قبل الحكومات، وإن كانت الحكومات هي من تقود مسيرة التنمية إلا أننا اليوم بتنا في عالم يستطيع أي شخص أن يكون هو الدولة وهو العلم، ويرسم ملامح حياته بناء على معطيات الحداثة، ويتعلم الصيد قبل أن يبحث عن السمكة.
أما الرسالة الحكومية فنتركها للكاتب «ستادويل» في كتابه «أسرار الازدهار والفشل الآسيوي»، حيث عرض اقتصادات تسع دول آسيوية هي اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، وإندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، والفلبين، وفيتنام، والصين، بالتحليل المكثف وبين السر الذي أحرزته هذه الدول في تنميتها حيث ركز الكاتب على التعليم وأنماطه وطرق تفعيل أساليب الإنتاج الزراعي والصناعي.
السر ليس في شرق آسيا إنما السر في السنارة التي تقذف لتنشل الإنسان من أعماق المستنقعات ليسطع في نور السماء كرمز ونموذج للنجاح، هنا يكمن السر وإن احترفته دول شرق آسيا، فها هو اليوم يقدم نفسه بالمجان لمن يريد أن يتعلم كيفية الريادة الشخصية أو الحكومية.