كلام صريح في عصر التكيف

بينما نواصل العمل للحد من انبعاثات الكربون، نشهد ارتفاعا في معدل تواتر الظواهر المناخية المتطرفة، كالأعاصير وحالات الجفاف والفيضانات، مما يؤثر في حياة الناس في جميع أنحاء العالم. والبلدان المعرضة بالفعل لمخاطر الكوارث الطبيعية هي الأشد معاناة، ليس لأن الكوارث تودي بحياة البشر على الفور فحسب، بل لأنها تخلف آثارا اقتصادية طويلة الأمد. ويتكبد بعض البلدان خسائر اقتصادية يتجاوز مجموعها 200 في المائة من إجمالي الناتج المحلي - كما حدث حين هب إعصار ماريا على جزيرة دومينيكا عام 2017.
وقد صممت تسهيلات الإقراض التي يتيحها الصندوق لمواجهة الطوارئ بحيث تقدم مساعدات عاجلة للبلدان منخفضة الدخل التي تتعرض لكوارث. غير أن الصندوق يعمل على عدة أصعدة أيضا من حيث التكيف مع تغير المناخ لكي يساعد البلدان على التصدي للتحديات المرتبطة بالمناخ واكتساب القدرة على تسعير المخاطر وتقديم حوافز للاستثمار، بما في ذلك الاستثمار في الوسائل التكنولوجية الحديثة.
ونحن ندعم استراتيجيات بناء الصلابة، ولا سيما في البلدان شديدة التعرض للمخاطر، بهدف مساعدتها على الإعداد لمواجهة الكوارث والتعافي منها. كذلك، فإننا نسهم في بناء القدرات داخل الحكومات من خلال التدريب والمساعدة الفنية لتحسين إدارة مخاطر الكوارث والتصدي لها.
وفي هذا الصدد، نعمل مع منظمات أخرى على زيادة تأثير عملنا المتعلق بالمناخ. ومن أهم علاقات الشراكة بيننا وبين المنظمات الأخرى، التعاون مع البنك الدولي، خاصة في إجراء "تقييمات سياسات تغير المناخ". فنحن نعمل معا على حصر خطط البلدان من أجل تخفيف تغير المناخ والتكيف معه، واستراتيجيات إدارة المخاطر، والتمويل، كما نشير إلى الفجوات التي تحتاج هذه البلدان إلى الاستثمار فيها أو تغيير السياسات بشأنها أو المساعدة على بناء قدراتها لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
في الفترة المقبلة، يتعين أيضا أن نكون مستعدين للمشاركة في أي مجال وأي وقت حيثما كنا نستطيع المساعدة بخبراتنا، وهناك مجالات أخرى سنعمل على الاستعداد لخوضها. فعلى سبيل المثال، سنعمل على نحو أوثق مع البنوك المركزية التي تقوم حاليا بتطويع أطرها وممارساتها التنظيمية لمعالجة المخاطر متعددة الأوجه التي يفرضها المناخ، وذلك بوصفها المسؤولة عن الحفاظ على الاستقرارين المالي والسعري.
ويسعى حاليا كثير من البنوك المركزية والأجهزة التنظيمية الأخرى للبحث عن سبل تحسين معايير تصنيف مخاطر المناخ والإفصاح عنها، وهو ما سيساعد المؤسسات المالية والمستثمرين على إجراء تقييم أفضل لما يواجهها من مخاطر مرتبطة بالمناخ - ويساعد الجهات التنظيمية على تحسين قياس المخاطر على مستوى النظام كله. ويقدم الصندوق دعمه بالعمل مع "شبكة البنوك المركزية والأجهزة الرقابية المعنية بتخضير النظام المالي"، وغيرها من الجهات المعنية بوضع المعايير.
كذلك ينبغي للبنوك المركزية والأجهزة التنظيمية أن تساعد البنوك وشركات التأمين والشركات غير المالية على تقييم المخاطر المناخية التي تتعرض لها وإجراء "اختبارات تحمل الضغوط" المرتبطة بالمناخ. ويمكن أن تساعد هذه الاختبارات على تحديد التأثير المحتمل في ملاءة المؤسسات المالية واستقرار النظام المالي من أي صدمة معاكسة حادة تنتج من المناخ. وسيساعد الصندوق على دفع الجهود قدما نحو إجراء اختبارات تحمل الضغوط الناجمة عن تغير المناخ، مستخدما في ذلك وسائل مثل تقييمنا للقطاعات المالية والاقتصادات في البلدان الأعضاء. وسيتعين تحري الدقة في معايرة اختبارات تحمل الضغوط الناجمة عن تغير المناخ، لأن هذا النوع من الاختبارات يقتضي تقييم آثار الصدمات أو إجراءات السياسة التي قد لا يكون لها سوابق تاريخية تذكر.
وستساعد كل هذه الجهود على ضمان تدفق مزيد من الأموال نحو استثمارات منخفضة الكربون وقادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ. وتشكل الزيادة السريعة في السندات الخضراء اتجاها إيجابيا، لكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك بكثير حتى نتمكن من تأمين مستقبلنا. والأمر غاية في البساطة: نحن جميعا نحتاج إلى تكثيف جهودنا للعمل معا من أجل تبادل المعرفة والأفكار، وصياغة السياسات وتنفيذها، وتمويل التحول إلى الاقتصاد المناخي الجديد. فأبناؤها وأحفادنا يعولون علينا.

 

*صحيفة الاقتصادية السعودية