أين الصناعات الدوائية العربية؟

كشفت الأزمة الحالية لجائحة كورونا بأن المنطقة العربية تعاني الكثير في مجال إنتاج اللقاحات والأدوية واستخدامات المستشفيات والمراكز الصحية بسبب غياب تلك الصناعات. فالقطاع الدوائي والصحي بشكل عام يحتاج إلى الكثير من الاستثمارات والمراكز البحثية والعلمية ليتمكن الإنسان العربي من متابعة هذه المتطلبات التي تهم شؤون الصحة العامة. وليس من المستبعد أن تدفع الجائحة في تحريك الاستثمارات العالمية نحو تأسيس مزيد من المشاريع الصناعية التي تفتقدها الدول العربية في مجال إنتاج الدواء واللقاحات والأجهزة والمعدات المستخدمة في المشافي وغيرها من الصناعات والاحتياجات التي تعنى بحياة الإنسان سواء في أوقات المرض أو المعافاة.

الكل يعلم بأن المنطقة العربية تتوسل إلى الدول الأجنبية في الحصول على مستلزماتها من المنتجات الدوائية واللقاحات التي تهم حياة البشرية، فيما تمتنع هذه الدول عن تقديم المعرفة اللازمة للدخول في الإنتاج الصناعي الدوائي التي تهم هذه الجوانب، وتحرص على بيع المنتجات منها بأسعار غالية وبشروط عدة، ناهيك عن حرصها على تشغيل هذه المؤسسات تحت مراقبتها وكوادرها بحيث لا يحصل الإنسان العربي تلك العلوم والثقافة والمعرفة اللازمة التي من خلالها تتم إدارة الصناعة.

اليوم فإن الجائحة توجّه الاستثمارات والصناديق السيادية العربية بضرورة الدخول في المشاريع التي ستعمل على تحديث المستشفيات والبنية التحتية للصحة العامة بهدف تقوية تلك الجوانب التي تعاني منها، خاصة في الصناعات الدوائية والرعاية الصحية والخدمات المتخصصة. فجميع الدول تحرص على إعداد جيل متخصص في إنتاج اللقاحات والمستحضرات الصيدلانية، وإيلاء المزيد من الاهتمام لإنتاجها بهدف إحلال الواردات منها، وتوليد فرص عمل جديدة في هذا القطاع، وتنويع القاعدة الصناعية والإنتاجية للاقتصادات العربية بعيدا عن مشاريع النفط والغاز. ومن هذا المنطلق تبذل بعض الحكومات العربية جهودًا كبيرة لجذب الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات الحيوية، وتقوم بحملات ترويج وتسويق للدخول في إنتاج اللقاحات والمضادات وغيرها. وهناك اليوم تنافس كبير بين دول العالم في جذب الاستثمارات بشكل عام، حيث تعمل الكثير منها على تقديم الحوافز والتسهيلات والدعم، بجانب عملها على تقليل الحواجز والتعقيدات أمام التجارة العالمية، وإزالة العوائق للمساعدة في تعزيز جاذبية الاستثمار في دولها.

إن جذب الاستثمارات في القطاع الدوائي والصحي يحتاج إلى التعامل معه بحكمة وتخطيط، فهو من القطاعات التي يحتاج إلى عناية واهتمام كبير من حيث جذب جودة الاستثمارات المطلوبة والمعارف، وضرورة توفير وإعداد العمالة العربية الماهرة للعمل بها بجانب توفير القدرات الفنية لها، والاستمرار في تقديم الإعفاءات والحوافز والتسهيلات، والتقليل من الأنظمة الضرائبية وتحسين بيئة الاستثمار بشكل عام. كما أن الصناعات في الدول العربية تحتاج إلى زيادة قدراتها التنافسية وإنتاجيتها وتركيزها على التصدير، مع العمل على تحديث التشريعات لكي تتمكن من تغذية النمو الصحي للصناعة بشكل عام.

هناك الكثير من الجوانب والإمكانات والقدرات والموارد الطبيعية التي تتميز بها الدول العربية للدخول في مجال إنتاج الدواء والمضادات واللقاحات، إلا أنها غير مستغلة بالصورة المطلوبة والمناسبة، الأمر الذي نتج عنه تراجع كبير في هذه الصناعات وغيرها، وفقدان القيمة المضافة للإمكانات المتاحة، الأمر الذي يتطلب تعزيز الجهود وفتح المجال للاستثمارات المحلية والأجنبية الكبيرة للوصول إلى المنطقة العربية لتأسيس هذه المشاريع الصناعية مستقبلاً.

مقالات الكاتب