كيف تكون العلامات التجارية قوة اقتصادية؟

في السنوات الأخيرة دخلت الصين العالم كقوة اقتصادية وسياسية بشكل منافس للقوى الاقتصادية والسياسية الامريكية والتي كانت مسيطرة على العالم لمدة طويلة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. والأمر الذي ساعد الصين على نهضتها بشكل مزدهر حاليا هو عدم تقدير الولايات المتحدة الامريكية لما يمكن ان تفعله هذه الدولة لبناء نفسها، ولذلك قامت امريكا بنقل الكثير من مصانعها الى الصين من أجل إنتاجها باقل الاسعار من ناحية، ولتجاوز بعض القوانين والانظمة من انظمة العمل في تشغيل العمال والموظفين. لكن أمريكا لم تحسن حسابتها هذه المرة، السؤال لماذا؟.

عندما نتكلم عن الاستثمار سواء كان محليا او اجنبيا داخل الدولة، فهذا يعني اننا نتكلم مواضيع مختلفة تتناول هذا الشأن ومن ضمنها العلامات التجارية. قوانين الملكية الفكرية والعلامات التجارية عانت من الضعف في الصين لمدة طويلة مما ادى إلى توليد مشكلتين رئيسيتين. المشكلة الاولى تتمثل في الاستثمار الاجنبي و معاناته في استيلاء المنافسين المحليين و منظمات ربحية اشبه بان تكون مافيا تجارية على العلامات التجارية العالمية. وهناك قضايا كثير في المحاكم الصينية تتعلق بهذا الأمر، ومثالها القضية التي رفعتها شركة رولز رويس على مصنع للبلاط والادوات الصحية التي استولت على اسم الشركة وطبعتها على منتجاتها باللغة الصينية. المشكلة الثانية تتعلق بالاستثمار المحلي من خلال إعطاء الشركات حقوق بتسجيل علامة تجارية لدى الحكومة الصينية من دون التأكد من فعالية المنتج، وهذا ادى الى ظهور فضائح هزت المجتمع الصيني. منها الفضيحة الشهيرة لحليب الأطفال The Sanlu Milk التي بدأت في سبتمبر 2008 عندما أصيب أربعة عشر طفلًا في مقاطعة غانسو بالمرض بعد شرب الحليب حيث كان مسحوق الحليب ملوثًا بمادة الميلامين الكيميائية السامة. تسبب The Sanlu Milk الملوث في النهاية الى وفاة 296,000 طفل، وقاد الى معاناة حوالي 6000 طفل من أمراض الكلى . والمشكلة التي جعلت هذه من أشهر فضائح التجارية في الصين أنه تم الترويج لهذا المنتج بشكل واسع النطاق واعتبروه هو المنتج الذي يتغذى عليه رواد الفضاء الصينيين في برنامج الفضاء الصيني. مما ادى الى فقدان الثقة الشعبية بالقانون الصيني.

أدت هذه الفضائح المختلفة على صعيد الاستثمار المحلي و الاستثمار الاجنبي الى رسم استراتيجية لحماية الملكية الفكرية والعلامات التجارية، تمخض عن هذا الاستراتيجية قوانين وسياسات ومن ضمنها قانون العلامات التجارية الذي سيدخل حيز التنفيذ في الأول من شهر يونيو 2021، اي بعد اقل من شهر من تاريخ نشر هذا المقال. يركز القانون الجديد للعلامات التجارية بشكل أساسي على إنشاء تدابير إجرائية لمزيد من عمليات تسجيل العلامات التجارية ، والحفاظ على مركز قوة تسجيل العلامات التجارية في الصين ، واستدامة رغبة الصين بالإصلاح القانوني القائم على مقاييس ذات طابع صيني بحت، حيث ان الصين في الحقيقة تفتخر وبشدة بأن استراتيجية الحماية للملكية الفكرية في مجملها بانها ليست مستوردة من اوروبا ولا من امريكا. وهذا نوع من انواع استقلالية الصين علميا وفكريا وقانونيا حيث انها اصبحت قادرة على تحديد احتياجتها بشكل يغرس ثقة الجمهور المحلي و الدولي في العلامات التجارية الصينية أو تشجيع الاستهلاك العام لتحقيق الهدف الاقتصادي الوطني للصين المتمثل في تحفيز النمو الاقتصادي.

الصين في الحقيقة هدفها ليس فقط جذب الاستثمار من خلال هذه الاستراتيجية، وانما تهدف الى جعل نفسها هي مركز قوة بحيث تنافس أمريكا في عدد العلامات التجارية التي تسجل لديها. مثلا، في عام ٢٠١٤، تم رفع 2146557 طلب تسجيل علامة تجارية عند الصين، وفي المقابل تم رفع 879075 طلب ادى الولايات المتحدة الأمريكية. ارتفاع هذا العدد قد يكون بسبب ضعف القوانين، ولكن الصين تهدف الى رفع هذا العدد لتهيمن على العلامات التجارية العالمية لتكون هي المركز الاول الذي يجعل المستثمرين يتوجهون الى الصين كخيار أول لتسجيل علاماتهم التجارية لديها مما يجعلها قوة اقتصادية يصعب منافستها. وهذا يعني أن السعودية ايضا تستطيع من خلال الاستفادة من تجربة الصين وغيرها من الدول لصنع توجه خاص وفريد لها فيما يخص العلامات التجارية لجذب المستثمرين محليا و دوليا.