النمو قوة وحرية

تحقيق النمو مهم جدا ليس فقط لتحسين الأوضاع المعيشية، وإنما للحفاظ على حقوق المواطن التي تكمن أهمها في احترام كامل حرياته. تأثير النمو على الوضع النفسي بل الأخلاقي للمواطن كبير. تحقيق النمو يحتاج إلى ارتياح نفسي وأخلاقي، وفي نفس الوقت للنمو تأثير كبير على الأوضاع النفسية والأخلاقية. يقول الاقتصادي «أرثر لويس» الحائز على جائزة نوبل إن فائدة النمو الأساسية هي توسيع الخيارات المادية والنفسية المتوافرة للمواطن. يعطيه بالتالي قوة كبيرة في حياته ومجتمعه وبيئته كما يعزز الحريات.

في لبنان مثلا، الفشل في تحقيق النمو مؤخرا بسبب الأوضاع الداخلية كما الخارجية يؤدي إلى الفقر والغضب واليأس أحيانا. النمو يعني تحسن مستوى المعيشة وبالتالي يؤدي إلى التفاؤل بالمستقبل. الوضع النفسي الجيد يؤدي إلى تكاثر فرص النجاح وحماية الحريات والتنوع الفكري. يؤدي إلى تحسن أوضاع الطبقات الوسطى وما دون، وبالتالي يدفعهم إلى تحقيق الأفضل أي تحسين أوضاعهم المادية التي تؤدي إلى أوضاع نفسية سعيدة. الأوضاع النفسية والأخلاقية الجيدة تؤدي بدورها إلى اعتماد العدل والعدالة في المجتمع، بحيث لا يسلب أي حق بل تحترم كافة الحقوق. تؤدي هذه الأوضاع جميعها إلى حماية الديموقراطية أي النظام الأفضل عالميا بالرغم من بعض الشوائب في الممارسات.

جميع الدراسات تشير إلى علاقة قوية بين النمو الاقتصادي والأوضاع الاجتماعية والنفسية كما الأخلاقية. هنالك رابط قوي بين التقدم المادي والتقدم الأخلاقي والنفسي. التقدم المادي يعني أوضاع غذائية مرتاحة، سفر دوري للعمل والسياحة، ضمانات صحية مناسبة. يعني أيضا نظاما تعليميا جيدا وفاعلا، أوقات عمل أسبوعية غير ظالمة، نشاطات ثقافية مفيدة واستثمارات في المتاحف والحدائق والمكتبات والفن وصالات الموسيقى والرياضات المختلفة. يعني كذلك أوقات كافية للهو لتجديد النفس والطاقة الجسدية واحترام البيئة والأملاك العامة المشتركة.

في لبنان مثلا، نشاهد هذه العلاقة بوضوح أي أن طريقة وطبيعة ونوعية تصرف اللبناني في المجتمع تتغير كليا بين الأوضاع المادية السيئة والجيدة. في قيادة السيارات، يتم احترام الإشارات الضوئية وحقوق الآخر أكثر بكثير عندما يكون اللبناني مرتاحا ماديا وفكريا، والعكس صحيح أيضا. ليست هذه الوقائع مقتصرة على اللبناني، إلا أن طموح اللبناني التاريخي وحب الاستهلاك والحياة يجعله يتأثر بالأوضاع المادية ربما أكثر من غيره.

في جميع الدول، تحسين الأوضاع المادية يؤدي إلى تعزيز العلاقات الخارجية. لا يمكن لأي دولة أن تكون قوية في السياسة وفي العلاقات الدولية إذا كانت أوضاعها الاقتصادية سيئة. بناء القوة العسكرية يحتاج إلى قوة اقتصادية وراءها كي تدوم وتتعزز. الفقر في الدولة يؤدي إلى الانعزال بالرغم من أن العلاقات الخارجية تكون أكثر فائدة ماديا في زمن الشح والفقر. إلا أن الوضع النفسي المتأزم الذي يرافق الفقر يمنع عمليا على قيادات الدولة استثمار العلاقات الخارجية حتى إذا كانت جيدة. أخيرا تبنى العلاقات الدائمة في ظروف ارتياح نفسي وليس تشنج وقلق وخوف، حيث يكون تفكير الإنسان عموما محدودا.