اقتصاديات الذكاء الاصطناعي

بداية، ما هو تعريف “الذكاء الاصطناعي (AI)”..؟ الذكاء الاصطناعي هو مصطلح يرمز إلى الأنظمة الذكية أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري، من خلال برمجيات وخوارزميات متطورة، للتمكن من أداء المهام البشرية وفي ذات الوقت، يٌمكن لتلك الانظمة والاجهزة أن تتعلم وتُحسن من أدائها تلقائياً استنادًا إلى البيانات والمعلومات التي تقوم بتجميعها مع مرور الوقت، لتصبح أكثر ذكاء وفعالية، إلى حد التنبؤ المستقبلي بالنتائج المتوقعة. وأمثلة تطبيق الذكاء الاصطناعي كثيرة ومتعددة، منها السيارات ذاتية القيادة، واجهزة الاكتشاف المبكر للأورام من خلال الفحوصات والمسح الطبي، والروبوتات المتعددة الاستخدام، وعلوم تطوير الادوية، وكذلك، المواقع الالكترونية والتي تقدم صفحات توصيات مختلفة بالمنتجات لكل زائر حسب توجهات شرائهم، وغيرها الكثير.

 وأما مصطلح “اقتصاديات الذكاء الاصطناعي”، فهو يعني دراسة وتحليل جميع النقاط الأساسية حول الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالاقتصاد، بداية من الأموال والنفقات التي تمول أبحاث وفعاليات وأنشطة ومؤتمرات ودراسات و مبادرات ومشروعات الذكاء الاصطناعي الريادية والتقليدية، ومرورًا بالآثار الاقتصادية لظهور الذكاء الاصطناعي مثل تأثيره على الأجور والأسعار والإنتاجية والتأثير المحتمل على معدلات البطالة، وكذلك السياسات الصحيحة لتعميم الفائدة الاقتصادية دولياً.

وحسب الدراسات الدولية، توجد أربع مستويات أساسية للتقييم، المستوى الاول هو “التقييم الدقيق او ما يُعرف ب Macro View” ويقيس هذا المستوى تأثير الذكاء الاصطناعي على إجمالي العوامل الاقتصادية مثل الإنتاجية والتوظيف ومعدل تحقيق المساواة في مجال العمل. والمستوى الثاني هو “التقييم المتوسط او ما يُعرف ب Meso View” ويقيس هذا المستوى تأثير الذكاء الاصطناعي على قطاعات محددة مثل الأبحاث العلمية او التنظيمية. والمستوى الثالث هو “التقييم الجزئي او ما يُعرف ب Micro View” ويقيس هذا المستوى تأثير الذكاء الاصطناعي على أداء المنظمات والأفراد. والمستوى الرابع والاخير هو “التقييم الاشمل أو ما يُعرف ب Meta View” ويقيس هذا المستوى تأثير الذكاء الاصطناعي على البيانات والوسائل التي يستخدمها الاقتصاديون لدراسة الذكاء الاصطناعي.

ومن الضروري استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي من قبل كافة القطاعات التي توجد بها تحديات في مجال التنبؤ المستقبلي بالنتائج، بداية من القطاع الزراعي، والبيئي، والصناعي والتجاري امتداداً إلى القطاع المالي. وقد اعتبر الكثيرون الذكاء الاصطناعي انه “التقنية التحولية الجديدة متعددة الأهداف”، بل وتعدى ذلك ليكون “اختراع من اجل انجاز وتحقيق سُبل الاختراعات الاخرى” وخاصة في مجال الحوسبة ومعالجة البيانات، ومجال البحث والتطوير او ما يُعرف ب R&D. وتوجد توقعات، بأنه وبحلول عام 2030م، سوف يحقق الذكاء الاصطناعي، في الشرق الاوسط، عائدا ربحيا يبلغ حوالي 320 مليار دولار او حوالي 2% من الربح العالمي الإجمالي، وان تبلغ مشاركة المملكة العربية السعودية بالذكاء الاصطناعي ما يقرب من 12% من الناتج المحلي الإجمالي او ما يُعرف ب GDP، وبمقدار يبلغ حوالي 135 مليار دولار، بزيادة في النمو السنوي للمشاركة بنحو 31%، كما وانه من المتوقع ان تتبنى حوالي 70% من المؤسسات الكبرى نوعا واحدا على الاقل من انواع الذكاء الاصطناعي.

ويوجد الكثير من الامثلة التي توضح كيفية الاستفادة الاقتصادية من الذكاء الاصطناعي مع وجود العامل البشري، مثل ما قامت به شركة امازون من خلال تطوير موقعها الالكتروني وادارة المحتوى لديها وكذلك تطوير عمليات سلسلة الامدادات بها أو ما يعرف ب Supply Chain، حيث استخدمت نتائج توصيات الذكاء الاصطناعي، وكنتيجة لذلك، كان كل دولار يُصرف في التطوير يعود بإيرادات اقتصادية وربح اكبر للشركة يُقدر بملايين الدولارات. وكمثال أخر، تُستخدم بعض الانظمة الجديدة للذكاء الاصطناعي في الاستثمار، والذي يزيد بالتالي من مخزون رأس المال للعاملين في تلك المؤسسات، مما يدفعهم لبذل المزيد من الجهود، وكنتيجة، تزداد ايرادات وارباح تلك المؤسسات. وكذلك، استخدامات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الخاصة بالأوبئة والأمراض واستخلاص العناصر التي من الممكن ان تُستخدم في تطوير العلاجات واللقاحات، مما يوفر الملايين من الدولارات في مجال الابحاث والتطوير، لشركات الادوية العالمية.

ومن الجدير بالذكر، انه لابد اولاً من أن يتم تطوير البنية التحتية الرقمية في القطاعات المختلفة لتحقيق نجاح أهداف الذكاء الاصطناعي، مثل توفر وجودة البيانات، وتطوير إجراءات العمل التشغيلية في المؤسسات، ووجود الاجهزة الذكية اللازمة لجمع وتحليل البيانات. كما وأنه من الضروري، وجود المرونة اللازمة لقبول الابتكارات من قبل الجهات التشريعية للتماشي مع سرعة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك مع وضع سياسات ومعايير محددة لمعدلات الخطأ المسموح بها خلال تحقيق أهداف هذا المجال. ان القيمة الحقيقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي هي في فهم واستيعاب ضرورة العمل المترابط مع البشر، حيث إن البشر بحاجة إلى الذكاء الاصطناعي للمساعدة في معالجة البيانات في الوقت الحقيقي وبسرعة فائقة من اجل التنبؤ المستقبلي بالنتائج وابداء التوصيات الضرورية، ومن جهة أخرى، فإن الذكاء الاصطناعي يحتاج للبشر في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الهامة استنادًا إلى التوصيات والمعلومات التي يتم توفيرها، وكل ذلك من اجل تحقيق مستقبل أفضل واقتصاد غني ومستدام في كافة المجالات.