نزيف المعرفة في قطاع النفط اليمني… من يُوقف هذا الاستنزاف الخطير؟
■ يشهد قطاع النفط اليمني واحدة من أخطر الأزمات غير المعلنة، لكنها الأكثر تأثيراً على المدى البعيد: خسارة المعرفة الضمنية بسبب تسريح الكفاءات الوطنية دون استراتيجية واضحة للاحتفاظ بها.
نحن لا نتحدث هنا عن مجرد فقدان وظائف، بل عن تفريغ حقيقي للذاكرة الفنية والخبرة التشغيلية التي بُنيت على مدى عقود، وتحديداً في قطاعات نفطية محورية مثل القطاع 43 والقطاع 32 في حضرموت، وقطاع العقلة في شبوة، حيث تم تسريح عشرات الكفاءات الوطنية، في ظل إهمال مؤسسي واضح من وزارة النفط.
ما يغيب عن صانعي القرار أن القطاع النفطي لا يُدار بالمعدات وحدها، بل بالعقول التي خبرت الأرض، وعايشت الآبار، وتعلمت من الأزمات، وابتكرت حلولاً ميدانية لا تُدرّس في الجامعات. هذه هي المعرفة الضمنية التي لا تُكتب في التقارير، ولا تُنقل بسهولة بين الأجيال. إنها “الكنز الخفي” لأي صناعة، وفقدانها يعني إعادة اختراع العجلة من جديد، ولكن بكلفة مضاعفة.
في كل مرة يتم فيها تسريح موظف يحمل خبرة ميدانية نادرة دون توثيقها أو نقلها، فإننا لا نفقد فرداً فقط، بل نفقد عشرات المواقف والدروس والرؤى التي كانت ستنقذ المؤسسة في يوم ما. والأسوأ، أن الحلول البديلة غالباً ما تكون مكلفة: استيراد الخبرات الأجنبية، والتدريب من الصفر، وإعادة بناء فرق التشغيل – وكل ذلك في بلد يواجه أزمات اقتصادية خانقة.
من المسؤول عن هذا النزيف؟
من الواضح أن وزارة النفط لم تضع أي سياسة واضحة لإدارة المعرفة، ولا توجد مؤشرات على وجود قاعدة بيانات وطنية تضم المعارف المتراكمة من القطاعات النفطية المختلفة. وبدلاً من دعم الكفاءات الوطنية، تُركت تواجه مصيرها، في وقت كانت فيه البلاد بأمسّ الحاجة إلى عقلها المحلي، وفهمها العميق لخصوصيات الحقول اليمنية.
ما المطلوب اليوم؟
• الاعتراف أولاً أن ما يحدث هو خسارة استراتيجية لا تقل عن فقدان الموارد المالية.
• وقف التسريح العشوائي للكوادر، ووضع آلية واضحة لتوثيق ونقل المعرفة قبل أي إجراء إداري.
• تأسيس مركز وطني لإدارة المعرفة النفطية، يكون مسؤولًا عن جمع الخبرات وتدويرها.
• إشراك الكوادر المسرّحة في برامج تدريب وتوجيه للجيل الجديد من العاملين.
• فرض شرط على الشركات النفطية العاملة بحماية المعرفة الوطنية كجزء من التزاماتها التعاقدية.
خلاصة القول:
قد نخسر معدات، وقد نعاني من ضعف الاستثمار، لكن ما لا يجب أن نخسره أبداً هو الذاكرة الفنية اليمنية التي أثبتت كفاءتها في أصعب الظروف. وإذا لم نستدرك الأمر اليوم، فسندفع غدًا ثمنًا باهظًا لا لشيء، سوى أننا لم نحافظ على ما نملك فعلاً.
#حكومة_الفشل_والفساد #فضائح_النفط_والغاز