المدن الذكية .. وصفة سحرية لمواجهة تنامي الكثافة السكانية

صحيفة الاقتصادية السعودية

مع بلوغ عدد سكان المدن حول العالم نحو 55 في المائة من إجمالي سكان كوكب الأرض العام الماضي، توقع بنك أوف أمريكا ميريل لينش أن تنمو سوق المدن الذكية لتصل إلى 1.6 تريليون دولار عام 2020.
وبحسب التقديرات الدولية فإن نسبة عدد سكان المدن حول العالم ستقفز إلى 70 في المائة من إجمالي سكان كوكب الأرض بحلول عام 2050، وبحلول عام 2030 سيكون سكان المدن مسؤولين عن توليد سلع وخدمات بقيمة 115 تريليون دولار أمريكي. 
بينما يتوقع أن ينمو الاستهلاك الإجمالي لسكان المناطق الحضرية في العالم إلى نحو 23 تريليون دولار بين 2015 و2030.
وبناء على تلك الأرقام فإن تطوير المدن والنهوض بها يعد مدخلا أساسيا للقضاء على الفقر حول العالم، ما يطرح تساؤلات جادة حول قيمة الأموال الواجب استثمارها من الآن في المدن لضمان عدم تدهور أوضاعها المعيشية مستقبلا. 
وتشير تقديرات مجموعة من المختصين في المجال الهندسي والاقتصادي إلى أن البنية الأساسية لـ 80 في المائة من مدن العالم، تعاني هشاشة وضعفا مفرطا، وسط شكوك حول قدرتها على تحمل الزيادة المتوقعة للسكان. 
كما تشير تلك التقديرات إلى أن المدن خاصة الكبرى بحاجة إلى استثمارات تراوح بين 71 و78 تريليون دولار خلال العقد المقبل، لتكون قادرة على مواجهة التحديات السكانية، وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن العالم سيضم في غضون الـ 13 عاما المقبلة نحو 41 مدينة ضخمة، حيث يزيد السكان على عشرة ملايين شخص، و11 مدينة عملاقة يزيد التعداد السكاني في كل واحدة منها على 20 مليون نسمة.
ويعتبر أستاذ العمارة الحديثة المهندس المعماري كيلفن كلارس أنه لا سبيل لمواجهة التحديات التي تواجه المناطق الحضرية، تحديدا المدن، إلا عن طريق تحويلها خاصة التي يتوقع أن يزداد عدد سكانها بمعدلات متسارعة في المستقبل، إلى مدن ذكية.
ويعلق لـ "الاقتصادية" قائلا "لا يوجد تعريف واحد وشامل للمدن الذكية، لكنها مدن رقمية في الأساس، تعتمد بنياتها الأساسية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فهي تحتوي على بيئة تكنولوجية تسمح للقاطنين فيها بتلبية احتياجاتهم والتحكم في الوظائف المختلفة، وحل المشكلات المنتشرة في المناطق الحضرية مثل توفير المياه والطاقة وضمان السلامة خلال عمليات التنقل، كل ذلك وأكثر عبر أساليب التكنولوجيا الحديثة".
 ولكن إلى أي مدى يمكن لهذا النمط من المدن الحديثة أو الذكية أن يكون قابلا للتحقيق في معظم بلدان العالم؟
يجيب المختص في الدراسات الديمغرافية جورج كاست قائلا "في كل عام يزيد عدد سكان المدن بنحو 65 مليون نسمة في أقل تقدير، وجزء كبير من تلك الزيادة ناجم عن عمليات نزوح سكاني من الريف والبادية إلى المناطق الحضرية، وأول انعكاسات ذلك على المدن هو نمو المناطق العشوائية، وإذ كانت مواجهة الوضع تتطلب ضخ استثمارات كثيفة تقدر بتريليونات، فإنه من غير المتوقع أن تنجح البشرية خلال النصف الأول من هذا القرن، في تحويل مدنها خاصة العملاقة منها إلى مدن ذكية، لكن ما نتوقع حدوثه هو بروز بعض المدن الذكية، التي يمكن اعتبارها نموذجا أوليا يحتذى به للآخرين، لكن ستظل نسبة تلك المدن محدودة للغاية مقارنة بالمدن التقليدية".
ويعتقد البعض أن التكنولوجيا تمثل حلا شبه وحيد لمواجهة التوسع الدائم في المناطق الحضرية، وما ينجم عنها من عشوائيات. 
فنحو نصف مليون لوح شمسي مولد للطاقة يتم تركيبه في العالم يوميا، وسط تقديرات تشير إلى انخفاض أسعار تلك الألواح بنحو 25 في المائة بحلول عام 2020، ويعد ذلك أحد النماذج التي تعزز الأفكار الداعية إلى القول إنه إذا لم يكن بالمستطاع تحويل مدينة ما بكاملها إلى مدينة ذكية، فإنه بالإمكان تحويل مناطق ملحوظة منها إلى مناطق ذكية.
وعلى الرغم من القلق المتزايد جراء التوسع السريع في المناطق الحضرية في العالم، دون أن يكون هناك استثمار كاف لاستيعاب الأعداد القادمة من السكان، فإن كثيرا من الاقتصاديين لا ينفون أن ذلك أسهم في ارتفاع مستوى معيشة ملايين من البشر. 
الدكتورة لورين دينكلين أستاذة الاقتصاد المعاصر في جامعة تشيستر، تشير إلى أن دراسة حديثة من قبل بنك أوف أمريكا ميريل لينش، كشفت أن نحو نصف مليار نسمة في الصين بمفردها، قد ارتفع مستوى معيشتهم نتيجة انتقالهم للعيش في المناطق الحضرية، بينما تؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن مع كل زيادة بنسبة 100 في المائة لسكان المدن، ترتفع في المقابل الإنتاجية بما يراوح بين 2 و5 في المائة سنويا.
ويعكس ذلك من وجهة نظرها الإيجابية التي يجب أن تحظى بها الاستثمارات في المدن، باعتبارها عاملا مهما في رفع مستوى معيشة السكان، إضافة إلى ضرورة "النظر إليها باعتبارها رافعة للاقتصاد الكلي".
مع هذا لا يزال يوجد تيار قوي بين المختصين في مجال التنمية الحضرية، لا يعتقد أن المشكلة الرئيسية للمدن تكمن في نقص الاستثمارات، بقدر ما تتمثل في قصور عملية التخطيط وعدم جديتها. 
ولا ينفي الباحث الاقتصادي ديفيد ساج أن هناك نقصا في الأموال المرصودة لتطوير المدن ومساعدتها على مواجهة التحديات المتنامية التي تواجهها.
 لكنه يعلق لـ "الاقتصادية" قائلا "حصر الأمر في الجانب المالي أو التمويلي وتجاهل الجانب المؤسسي سيزيد من تعقيد المشكلة، فأغلب المدن في العالم تدار من قبل مؤسسات تفتقد الشفافية والكفاءة اللازمة لمواجهة التعقيدات الناجمة عن زيادة عدد السكان، وكثير من المسؤولين عن إدارة تلك المدن خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، تثار الشكوك حول نزاهتهم وتوجه لهم اتهامات بالفساد، وهذا ما يجعل المدن التي تحتل فقط نسبة 3 في المائة من مساحة الكرة الأرضية تستهلك نحو 75 في المائة من موارد الكرة الأرضية، وباتت الآن مسؤولة عن 50 في المائة من النفايات، و76 في المائة من استهلاك الطاقة وانبعاثات الغازات المضرة بالبيئة".
ويضيف "سوء الإدارة ربما يكون مشكلة أكثر إلحاحا من نقص الموارد بالنسبة إلى المدن عامة، والمدن العملاقة التي يزيد عدد سكانها على 20 مليون نسمة، فبحلول الثلاثينيات من القرن الجاري ستتسع الفجوة ليس فقط بين سكان المناطق الحضرية والمناطق الأخرى، إنما داخل المدن ذاتها، فسيكون هناك مليارا نسمة من سكان المناطق الحضرية يعيشون تحت خط الفقر، وسنكون بحاجة إلى مليار منزل بحلول عام 2025، وهذا يعني أنه بمقدار الحاجة إلى استثمارات مالية، ومزيد من الاعتماد على التكنولوجيا للتغلب على الصعوبات التي تظهر مع نمو المدن، هناك حاجة إلى عملية إصلاح إداري ضخمة، ورؤية جديدة للمؤسسات المسؤولة عن عملية إدارة المدن".