التنمية برس: متابعات
شهد قطاع العقارات في اليمن انتعاشاً غير مسبوق رغم الحرب التي تعصف بالبلاد منذ 3 سنوات، والسبب يرجع إلى عوامل عدة بحسب خبراء الاقتصاد أبرزها عودة المغتربين من السعودية وقيام أمراء الحرب بتبييض أموالهم، بالإضافة إلى حالة النزوح الداخلي من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناطق الحكومة.
ونشطت حركة البيع والشراء للأراضي وأعمال البناء بشكل غير متوقع في أربع مدن يمنية، فيما ارتفعت الأسعار إلى مستويات قياسية أعلاها في مدينة مأرب الخاضعة للحكومة (شرق البلاد) التي شهدت ارتفاعاً لأسعار العقارات بنسبة 500% بحسب خبراء اقتصاد ومتعاملين.
ورغم البطالة والفقر وبوادر المجاعة، فإن الاستثمار العقاري يزدهر ويتوسع، وترتفع مبانٍ شاهقة من عدة أدوار بجانب عشرات المنازل، التي فقد سكانها مصادر رزقهم ورواتبهم ويعيشون بلا كهرباء ولا خدمات ويصارعون لتدبير قوت يومهم، كما هو الحال في العاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين.
وتنام العاصمة اليمنية عند التاسعة مساءً، وتبدو صورة المدينة ليلاً موحشة، حيث تتوقف الحركة وتبدو الشوارع والمنازل مظلمة كأنها مقبرة منذ توقف خدمة الكهرباء العمومية نهاية إبريل/ نيسان من عام 2015، لكن في المقابل هناك صورة مختلفة في النهار؛ فحركة البناء تشهد طفرة لم تعرفها المدينة قبل الحرب.
وفي كل شارع، ترتفع مبانٍ من عدة طوابق وارتفعت أسعار الأراضي والمباني بنسبة 100%، وأوضح متعاملون في العقار لـ"العربي الجديد" أن المنزل الذي قدر ثمنه بـ40 مليون ريال (106 آلاف دولار) ارتفع سعره الى 80 مليون ريال يمني على الأقل (211 ألف دولار).
ويثير هذا الانتعاش في العقار استغراب المواطنين ودهشتهم ، في ظل ظروف الحرب وحالة الفقر التي تضرب السكان، وقال أحمد سعيد، موظف حكومي: "لا يوجد حرب في أي بلاد بالعالم ترتفع فيها أسعار العقارات إلى عدة أضعاف إلا في اليمن، أموال هائلة نراها في صورة مبانٍ ترتفع، بينما مليون موظف من دون رواتب منذ عام".
ويفسر الخبراء ازدهار قطاع العقارات في العاصمة صنعاء بتدفق أموال أمراء الحرب ومحركي السوق السوداء من جماعة الحوثيين الذين يقومون بتبييض أموالهم في العقار ودفعوا الأسعار للارتفاع، ثم بعودة أموال المغتربين بصورة أقل.
وأوضح المحلل والباحث الاقتصادي حسام السعيدي، أن قطاع البناء والتشييد باليمن يشهد حالياً انتعاشاً في بعض المناطق على الرغم من ارتفاع أسعار مدخلاته بشكل كبير، عدا سعر العمالة المنخفض نسبياً.
وقال السعيدي لـ"العربي الجديد": "في صنعاء، يتصدر الحوثيون هذا النشاط وبأسماء مختلفة حيث اشتهر قادة حوثيون ببناء عمارات ومساكن جديدة، ويهدف الحوثيون إلى تبييض الأموال التي تم نهبها مسبقاً أو يتم نهبها حالياً وبناء عقارات لا تحمل أسماءهم مباشرة خوفاً من مصادرتها لاحقاً أو تعرضها للقصف، ونعلم بأن كميات ضخمة من النقود السائلة اختفت عقب قرار نقل البنك المركزي، وتتداول أنباء عن تورط قادة حوثيين في ذلك، وهو الأمر الذي يفسر حالياً ظهور نشاطات عقارية جديدة، تضاف إلى حالات الإثراء التي صاحبت الاقتصاد الموازي الذي شكله الحوثيون".
ولا تزال جماعة الحوثيين تسيطر على العاصمة اليمنية ومؤسسات الدولة رغم تلقيها ضربات من التحالف الذي تقوده السعودية منذ ثلاثة أعوام، وتفرض الجماعة ضرائب غير قانونية على صغار التجار وإتاوات وسخّرت ما تبقى من موارد الدولة لتمويل الحرب، وبالمقابل لا تقدم أي خدمات عامة وأبرزها الكهرباء والمياه ولا تدفع رواتب موظفي الدولة في مناطقها.
وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن يوسف سعيد، أن تبييض أموال تجار الحرب عبر المضاربة على العقار محتمل ومتوقع، سواء في العاصمة صنعاء أو العاصمة المؤقتة عدن.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد": "هناك أعداد كبيرة من القيادات العسكرية وأمراء الحرب أثروا ثراءً فاحشاً من خلال حصولهم على أموال غير مشروعة وسبيلهم هو العقار، ولهذا لا تستغرب إن ارتفعت عمائر كثيرة في وسط المدن تخص تلك القيادات".
وفي العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن)، حيث مقر الحكومة، هنالك حركة لا تتوقف في قطاع البناء وحدث انتعاش في قطاع العقارات حيث تنشط حركة البيع والشراء في الأراضي وارتفعت أسعار الأراضي والمباني بنسبة 200%، رغم حالة الاضطراب الأمني والمواجهات المسلحة بين القوات الحكومية والجماعة الداعية إلى الانفصال.
وتشهد مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن) والخاضعة للحكومة، حركة نشطة في قطاع العقارات منذ تحريرها من تنظيم القاعدة في إبريل/ نيسان من 2016، وتحولت الحركة العقارية إلى طفرة منذ منتصف العام 2017 حيث يجري بناء عشرات المنازل والمباني السكنية من عدة طوابق، فيما يقوم ملّاك المباني القديمة ببيعها مستغلين الارتفاع غير المسبوق للأسعار.
ونقلت شركات تجارية يمنية مقراتها الرئيسية من العاصمة صنعاء والعاصمة المؤقتة عدن إلى مدينة المكلا التي تشهد استقراراً أمنياً يؤهلها لتصبح مركزاً اقتصادياً، لكن السبب الرئيسي لانتعاش العقارات بها يرجع إلى عودة عشرات المغتربين من السعودية وأغلبهم من صغار التجار الذين يقومون باستثمار أموالهم في العقار.
وقال سالم باعلوي، مستثمر في العقار لـ"العربي الجديد": "تشهد مدينة المكلا ازدهاراً في قطاع العقار لم تعرفه من قبل حتى في أفضل حالات الاستقرار قبل الحرب، هناك نشاط متصاعد في حركة البيع والشراء وارتفعت أسعار الإيجارات بنسبة 100%، والأسعار مرشحة للارتفاع مع استمرار عودة المغتربين من السعودية ". واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن يوسف سعيد، أن انتعاش قطاع العقارات في مدينتي عدن والمكلا تحديداً يرجع بصورة رئيسية إلى عودة المغتربين الذين يتجهون إلى استثمار مدخراتهم في العقار.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد": "هناك أموال ضخمة دخلت البلاد وتحديداً بالريال السعودي، تدفقت إلى الداخل مع عودة جزء معتبر من المغتربين من جهة، وتراجع مناخ الاستثمار في البلدان المستقبلة العمالة الوافدة نفسها، وهذه الأموال في غياب أي رعاية وإرشاد وتوجيه من قبل الجهات الرسمية بالنسبة إلى مجالات توظيفها وغياب فرص الاستثمار ذات الأولوية، وجدت ضالتها في قطاع العقارات".
وعادة ما تشهد الدول التي تعيش حروباً تراجعاً في مؤشراتها الاقتصادية والمالية العامة، إلا أن "اقتصاد الحرب" له كلمته "الاستثمارية" وقد عبّر عنها "عقارياً" في اليمن هذه المرة.