مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
صديقي أحمد الذي يكبرني قليلا كان رقيبا في الدفاع المدني بمسمي وظيفي ميكانيكي ، ويتقاضى راتبا جيدا جدا في ذلك الوقت بل ربما عُد ممتازا مقارنة بما يتقاضاه أقرانه ، وكان لديه ورشة لصيانة السيارات تدر عليه مبلغا لا بأس به ، وإن كان أقل من المتوقع بالنسبة لورشة في ذلك المكان وبذلك العدد من الفنيين . قرر ذلك الصديق وبشكل مفاجئ أن يترك عمله في الحكومة ويتفرغ تماما لورشته ، لم أكن راضيا وقتها عن قراره ذلك وأخبرته برأيي ، لكنه قال “ أعلم أن الورشة تدر دخلا أكبر بكثير جدا مما أحصل عليه من العمال ، وأعتقد أنهم يسرقونني “ وأردف “ تفرغي للورشة سوف يغطي راتبي من عملي وما أحصل عليه من الورشة الأن وأكثر من ذلك بكثير ، وأكون بعدها حر نفسي” ، لم أجادل صاحبي حينها لكني لم أكن مقتنعا تماما بما يقوله .
الأن وبعد مرور أكثر من عشرين عاما من ذلك القرار لا شك لدي أن قراره ذلك كان حكيما ومدروسا بدقة . فخبرته العملية الفنية في صيانة السيارات تتحسن باستمرار ولي معه تجارة تؤكد ذلك ، وقد أصبح خبيرا في صيانة السيارات ، ولو أنه بقي في عمله لما وصل لما وصل إليه الأن من خبرة عملية متقدمة ، وعلاقاته بالناس قوية ومتشعبة بسبب مهنته تلك ، ووضعه المادي إن لم يكن أفضل مما لو استمر في عمله الحكومي فلن يقل عنه بحال ، ومكاسب أخرى هو تحدث معي بها ليس من المناسب ذكرها هنا الأن .
المهن الفنية التي تتطلب مهارات تقنية خاصة (علمية وعملية) لا أرى لها مثيل إلا الذهب الذي يمثل أهم المدخرات للمستقبل والأمان من تقلبات الاقتصاد ، فكما قيل عنها ( صنعة في اليد أمان من الفقر) و أنا أقول (صنعة في اليد سبب للثراء) . ولو يتسع المقام هنا لذكرت أمثلة لمن أعرفهم من القلة القليلة جدا للشباب الذين تفرغوا لتلك المهن وتغيرت أحوالهم المادية والحياتية بصورة مذهلة .
لكني أتسأل ولست أول ولن أكون الأخير الذي يطرح هذا التساؤل وهو (لماذا يرفض شبابنا العمل في المهن الخدمية مثل (المكانيكا والكهرباء والسباكة والتكييف والتبريد ومختلف أعمال البناء والإنشاءات وغيرها الكثير من المهن؟؟!!) ، على الرغم من المردود المادي العالي لتلك المهن . فسباك في مدينة صغيرة من جنسية عربية صافي دخله الشهري 50 ألف ريال ، حيث بدأ في المهنة منفردا ثم أصبح يدير مجموعة من السباكين ويستلم مشاريع كبيرة تدر عليه ذلك المبلغ وربما أكثر .
خلال الأسبوع الماضي أحتجت لبعض الصيانة في المنزل في بعض الأعمال المختلفة ، الفنيون الذين عملوا لمدد لا تصل للساعة ، أقل واحد منهم تقاضى على تلك الساعة 200 ريال بعد مفاصلة طويلة ودون رضى ، ولو فرضنا أن معدل العملاء اليومي 5 عملاء ، فإن معدل الدخل الشهري مع إجازة يومين في الأسبوع 21000 ريال كحد أدنى .
بلغ خريجو الكليات التقنية للعام الماضي فقط 17199 خريج من الشباب دون الشابات اللاتي تجاوزن الألفين ، عشرات الألاف من الشباب الذين خرجتهم الكليات التقنية طوال عقود ، يملكون الأساس العلمي لكثير من المهن المهمة بل والضرورية للمجتمع والاقتصاد وذات الدخول العالية جدا ، وبدل أن يستغلوا ما بإيديهم من ذهب الصِنعة يركضون خلف وظيفة مصنفة بالمرتبة الخامسة التي لا يتجاوز دخلها 5000 ريال إلا بقليل ، وذلك لسعيد الحظ منهم أما البقية فيستجدون وظائف لا علاقة لها بمهنهم بدخول أقل ، في حين أنهم يستطيعون بشيء من الجد والإجتهاد والتخلص من وهم العيب والخوف من الفشل والحصول على دخل شهري لا يقل عن 20000 ريال لمن يعمل في مهنته منفردا ، وأضعاف ذلك المبلغ حال إنشاء مؤسسة صغيرة في نفس المجـال .