مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
حياة الإنسان على الأرض يحكمها الاقتصاد، منذ وجوده وحتى قيام الساعة . بل إن الاقتصاد يشكل معتقدات وعادات وثقافات وسياسات وممارسات الشعوب ، فهو المحرك الأول للحياة الإنسانية على الأرض وكلما عداه تابعا له .
يستطيع كل إنسان طبيعي ممارسة الاعمال الاقتصادية بيسر وسهولة ويبدع فيها وإن لم يكن متعلما ، لكن الكتابة في الاقتصاد ليست بتلك السهولة بل تكاد تكون أصعب الكتابات على الإطلاق . أولا لأن الاقتصاد علم له مبادؤه وقواعده وأصوله ، ويكاد يكون أكثر العلوم الانسانية النظرية مبادئ وقواعد وأكثرها تطورا وتغيرا ، وفيها من التداخل والغموض ما يجعلها تخفى أحيانا على المختصين.
مع ذلك لا تكاد تثبت نظرية اقتصادية واحدة مطلقا حتى أشهر القواعد الاقتصادية (العرض والطلب) لم ترتقي لتصبح حقيقة أو حتىنظرية ، بل مجرد قاعدة يمكن أن تُكسر لأسباب كثيرة تحدث في عمق الاقتصاد وربما خارجه، لذلك ليس من السهل الكتابة في الاقتصاد حتى للمختصين .
ولا يعني ذلك أن الكتابة في الاقتصاد ضرب من التخمين والتجربة والقول بلا أساس والكلام في الهواء ، بل إن الكتابات الاقتصادية الأصيلة تنطلق من أسس قوية جدا وتصل إلى نتائج دقيقة يُعتمد عليها ، وتظل الكتابات الاقتصاديات أهم مصادر المعلومات للسياسيين والمستثمرين والمجتمع عامة .
الكتابة في الاقتصاد وتحديدا المقالات الصحفية تعاني من مشاكلكثيرة ؛ تبدأ بكتابة من ليس لديهم معرفة بالاقتصاد ولا يملكون معلومة ، لكنهم أصحاب عبارة جميلة يصوغونها بما تهوى أنفس المتلقين أو بما يظنونه كشفا وصلوا إليه خفي عن صاحب (ثروة الأمم) ، ولو ذكرت هنا أمثلة لطال المقام ولدخلت في مشاكل مع بعض المشاهير. يكفي أن أقول أن بعض المقالات تخالف أبسط مبادئ الاقتصاد بفجاجة مزعجة بلا مبرر إلا هوى ذلك الكاتب الذي يرغب أن يكون (كارل ماركس) هذه الأمة .
وكثيرا ما يكررون عبارات ومعلومات ومصطلحات اقتصادية في غير محلها أو فقدت بفعل الزمن والتغير مصداقيتها وواقعيتها أو أن العوامل الاقتصادية الأخرى التي لا يدركونها أبطلت تلك المقولات .
صنف أخر ممن يكتبون في الاقتصاد ليس لديهم معرفة بالاقتصاد لكنهم يملكون معلومة ما بحكم عملهم ، يبنون كتاباتهم على تلك المعلومة فقط بحيث تكون هي الحقيقة، دون النظر لحلقة الاقتصاد كاملة والأثار المختلفة لتلك المعلومة وعليها سلبا أو إيجابا . ومثل هؤلاء معظم محرري الصفحات الاقتصادية في الصحف غير المتخصصين بالاقتصاد ، ومن يعملون في مجالات تباشر العمل الاقتصادي في القطاعين العام والخاص . ومن المؤسف أن كتابات هؤلاء تؤخذ بجدية كبيرة بحكم موقعهم ، وفي كثير منها أخطاء منهجية تحرف كتاباتهم عن حقيقة وواقع الاقتصاد .
وكلا الصنفين السابقين يخلطون بين المفاهيم الاقتصادية ويستخدمونها في غير محلها أو بشكل خاطي، والأهم أنهم غير قادرين على إستنباط الدلالات والمؤشرات والنتائج من المعلومات المنشورة والتي يملكونها ، بإستخدام الاقتصاد القياسي والرياضي واستخدام المعادلات الاقتصادية للتأكد من مصداقية المعلومات ومؤشراتها ودلالاتها والنتائج المتوقعة لها والأثار المحتملة لتلك النتائج. ويعتمدون على التنظير بالعموميات والمشهور من المعرفة الاقتصادية مع بعض التخمين والتوقع غير المعتمد على دراسة وبحث وتحليل عميق . وتزداد كتابات هؤلاء سوءا إذا كان لديهم أهدافهم الخاصة التي يكتبون من أجلها .
أما كتّاب الاقتصاد المختصصون فهم على حالين ؛ من لديهم أهدافهم الخاصة لذلك تحوم كتاباتهم حول تلك الأهداف ، ويستخدمون معرفتهم الاقتصادية لإبراز أو تبرير أو الدفاع عن تلك الأهداف . وهؤلاء يمثلون أخطر الكتاب الاقتصاديين ، فهم مثلالطبيب المتميز الذي يصف دواء لمريض لا لعلاجه بل لتحقيق أعلى أرباح من وراءه . وليس من السهل كشفهم في الحالات العادية . وغالبا تكشفهم الأحداث الكبيرة ، كما وقع في أحداث 2006 حيث إنكشف الكثير منهم ، والأن بعضهم حاول تكرار ما حدث في ذلك العام مع قطاع أخر لكنهم لم ينجحوا وعادوا عن كلامهم خوفا من الإفتضاح مرة أخرى .
هؤلاء يستخدمون طلاسم الاقتصاد وغموضه لتوجيه الرأي العام نحو أمر ما يخدم أهدافهم الخاصة . ومنهم من يكتب طمعا في هبة أو خوفا من نقمة رأيهم مرهون بغيرهم ، وهؤلاء يمكن كشفهم بسهولة عن طريق تتبع الأفكار التي يتبنونها ، فلابد أن تكون كتاباتهم متناقضة بدون منطق اقتصادي يبرر ذلك التناقض فهو كنزي ماركسي في نفس الوقت لنفس القضية .
أخيرا الكتّاب الاقتصاديون المحايدون الذي يضعون المصلحة العامة فوق كل إعتبار ويتجردون من عاطفة الإنحياز لفكرة أو رأي أو قرار ويحللون الموقف بما تقرره البيانات والعوامل الاقتصادية المؤثرة ، ويطرحون ذلك الرأي كما هو بغض النظر عن ردة فعل المجتمع واصحاب القرار .
الكتابة في الاقتصاد من أخطر الكتابات لأنها المؤشر الأهم للواقع وحياة الناس وتزوير ذلك الواقع يعني تشويه المستقبل المبني على تنبؤات وقرارات اقتصادية .
"نقلا عن صحيفة مال السعودية"