مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
أكتب هذا المقال وأنا على الطائرة متجه إلى واشنطن للمشاركة في مؤتمر القانون في السعودية والشرق الأوسط بالتعاون مع جامعة جورج تاون للحديث عن التوجهات الحالية في مجال الرياضة والترفية ورؤية المملكة 2030 في هذا المجال والفرص الإستثمارية بتنظيم من مركز القانون السعودي، حقيقة لم تعد الرياضة والأحداث الرياضية المحلية أو العالمية مجرد نشاطات اجتماعية أو ترفيهية، بل هي في الأساس تبقى ضمن النشاطات الضرورية للمجتمع التي لها جوانب اقتصادية مهمة ومؤثرة في دورة الاقتصاد المحلي والعالمي.
إن مدن العالم المختلفة تتسابق محلياً وعالمياً لإستضافة الأحداث الرياضية لما لهذه الإستضافة من مردود إقتصادي، إضافة إلى ما تجنيه من منافع معنوية وسمعة دولية، لأن نظام الرياضة في شكله العام يقوم على دعائم اقتصادية مثل ميزانيات الأنشطة والبرامج والأدوات والأجهزة وأجور المدربين والإداريين والمكافآت وحوافز الرياضيين.
إن الغرض الأول للعلاقة بين الرياضة والاقتصاد يتصل بإعتماد الرياضية على الاقتصاد لتمويلها، كما أن التزايد المستمر في عدد ممارسي الرياضة قد أفرز سوقاً رابحة في مجال إنتاج وتسويق وإستهلاك الأجهزة والأدوات والملابس الرياضية، مما يدعوننا إلى تقرير أن الغرض الثانى للعلاقة بين الرياضة والاقتصاد يتصل برعاية المصالح التجارية والإستهلاكية للرياضة كمصدر للربح ووسيلة دعاية ناجحة.
تشكل الرياضة في بعض الأحيان دخلاً هاماً من مداخل الاقتصاد الوطني أن أُستثمرت بالشكل الصحيح ولعل العديد من الدول المتقدمة لاحظت أن بعض أنواع الرياضة يمكن أن تكون أحد مقومات العمل السياحي، ومن أجل أن يكون العمل الرياضي متمشياً مع عمليات التطوير لابد من إعتبار الإستثمار أحد وسائل التمويل للرياضة ولتحقيق ذلك لابد من تسهيل عمليات وإجراءات الإستثمار في الرياضة ورفع القيود عنها.
لقد اهتم الاقتصاد اهتماماً كبيراً بالواقع الإجتماعي للرياضيين فالبرامج الرياضية والرياضيون والعاملون في المجال الرياضي يحتاجون إلى من يمولهم حتى يمكن أن يحقق النشاط الرياضي أهدافة المأمولة منه. إن المجال الرياضى أصبح يحفل بكم هائل من الوظائف والمهام المختلفة كالفننين والإداريين والخبراء والمحللين المتخصصين وهو ما يشكل إطاراً توظيفياً عريضاً للعمل في المجال الرياضى كما ان الرياضة في حد ذاتها تعتبر جزءاً مكملاً من إطار الدورة الاقتصادية سوآء بإعتبارها منتجاً او شريكاً في الإنتاج أو بإعتبارها قيمة اقتصادية مضافة، وقد استخلص بعض خبراء الاقتصاد مجموعة من التساؤلات بإعتبارها محكات اقتصادية متصلة بالرياضة تحدد سياسة الدولة نحو اقتصاد الرياضة وهذه التساؤلات هى:
- ما هو حجم الإنتاج والإستهلاك في المجال الرياضى؟
- ما هي الأنشطة الرياضية الأكثر أهمية في المجتمع ؟
- ما هى مصادر تمويل الرياضة " الدولة - المجتمع المحلى أم الاسرة .... "؟
- من هى العناصر المستفيدة من هذا التمويل: الرياضة التنافسية - الرياضة المجتمعية - الرياضة المدرسية ؟
- من هى الطبقات التي تستفيد من تلك المصادر وما هي أوجه الاستغلال ؟
- هل يمكن عقد مقارنات بين قطاع الرياضة وقطاعات اقتصادية اخرى للتعرف على ما يمكن أن تقدمه الرياضة للإستهلاك الوطني ؟
- ما هو معدل أو نسبة إستهلاك الأسرة في المجال الرياضي إلى سائر مجالات الإستهلاك الأخرى " أدوات رياضية - إشتراكات أندية - ملابس رياضية - تذاكر حضور المباريات " ؟
في تجربة أولمبياد بكين في الصين، وبعيداً عما أثير من أمور سياسية حول هذه الأولمبياد بسبب الإضطرابات التي حدثت وقتها في إقليم التبت، إلا أن الصين ومنذ سنوات عديدة استثمرت أموالاً ضخمة استعدادا لهذا الحدث الرياضي الأضخم عالمياً، فالشركات الصينية وبالتعاون مع الشركات العالمية المتخصصة في المنتجات الرياضية وغير الرياضية قامت بإستعدادات كبيرة لطرح الكثير من منتجاتها وعلى إختلاف أنواعها لتسويقها في الصين وخارج الصين سوآء خلال الدورة أو حتى بعد انتهاء الدورة.
الصناعات المتخصصة في المنتجات الرياضية مهتمة جدا بتوظيف مثل هذه المناسبات الرياضية لتسويق منتجاتها وزيادة مبيعاتها، والدول المستضيفة هي الأخرى ترى أن إقامة مثل هذه المناسبات هي فرصة لها لإستقطاب الشركات في هذا المجال ليس فقط لتقديم الدعم للقيام بهذه الدورات وإنما أيضا لتشجيعها على الاستثمار في بناء وتأسيس المصانع والشركات المحلية المصنعة لمثل هذه المنتجات، وهناك أيضا اهتمام بالرياضة والأحداث الرياضية بسبب ما لها من تأثير إيجابي وملموس على قطاع السياحة للدول المستضيفة، فإقامة الدورات والمناسبات الرياضية تتطلب الإستثمار في تطوير البنية التحتية وأنظمة النقل والمواصلات وبناء الكثير من الفنادق والمرافق السياحية والتجميلية وهذه كلها سيكون لها مردود كبير على قطاع السياحة، إضافة إلى ما تعود به الحملات الإعلامية والدعائية لهذه المناسبات من إيجابية في تعزيز الصورة السياحية لتلك المدينة والدولة التي تقام فيها تلك المناسبة.
فالصين سابقاً خططت لإستثمار ذلك الأولمبياد لتعزيز موقعها السياحي في الخريطة العالمية، فبكين والمدن الصينية التي شاركتها في استضافة فعاليات الأولمبياد كلها طورت بنيتها التحتية وحسّنت مرافقها وخدماتها وكل هذا كان عائداً في صالح اقتصاد تلك المدن ولصالح الصين عموما.
واليوم تستعد روسيا لكأس العالم والذي سيقام فى 11 مدينة روسية، حيث أن الحكومة اختارت المدن على أسس تاريخية، تجبر المشجعين والفرق المشاركة فى البطولة على زيارة المعالم السياحية فيها لإنفاق أكبر قدر من العملات الأجنبية، فعلى سبيل المثال ملعب "سبارتاك" فى موسكو بلغت كلفته 14.5 مليار روبل، بالإضافة إلى إصلاح الطرق والمستشفيات وشراء معدات نقل جديدة، حيث سيكلف كأس العالم الحكومة الروسية أكثر من 13 مليار دولار، ولكن العائد الاقتصادى لروسيا سيفوق هذا الرقم.
وسيزور روسيا أكثر من مليون متفرج لمتابعة الفرق المشاركة فى كأس العالم والتى سيشارك فيها 32 فريقا فى 11 مدينة، هم "كالينينجراد، وسان بطرسبرج، وفولجوجراد، وقازان ونيجني نوفجورود، وسمارا، وسارانسك، وروستوف على نهر الدون، وسوتشى، ويكاترينبرج". وبحسب الحكومة الروسية، يشاهد كأس العالم على التلفزيون حوالى 3 مليارات مشجع ، بالإضافة إلى بناء 62 فندقا، بمقدار 10 آلاف غرفة، وتتوقع روسيا وفقا لموقع ru.investing أن تجذب حوالى 23.89 مليار دولارعلى الأقل مكاسب خلال كأس العالم 2018، أى 10 مليارات، زيادة عما أنفقته فى تجهيز وبناء الملاعب والفنادق والطرق، وشراء المعدات الجديدة.
أما بالنسبة للاستثمارات، تتوقع الحكومة الروسية جذب استثمارات بـ100 مليار دولار، بالإضافة إلى بيع تذاكر المباريات سوف تجلب إيرادات بحوالى 5.3 مليار دولار، كما سيزور مليون فرد على الأقل روسيا، وستجلب إيرادات وفقا لمتوسط أسعار الفنادق فى موسكو والطعام فى المقاهى حوالى 5.9 مليار دولار وقد تتغير الأسعار بحلول عام 2018.
وبالنسبة لشراء حقوق البث المباشر والعلامات التجارية سيجلب المونديال حوالى 8-10 مليارات دولار، والأرباح من جذب أموال الرعاية من الشركات تصل إلى نحو 4.4 مليار دولار، وبيع الهدايا التذكارية مع رموز البطولة 100 دولار لكل سائح أجبنى، ما يحقق 100 مليون دولار.
الحقيقة أن الرياضة أصبحت اليوم صناعة قائمة بذاتها وإن الاقتصاد المحلي والعالمي يتأثر بها بما يستثمر فيها من موارد وبما يعود منها من عوائد إلا أن هناك الكثير ممن يطالب بالحفاظ على التوازن بين جوانبها الإقتصادية ومنافعها الاجتماعية.
إن الاحتكار بالكامل لنقل أحداث هذه المناسبات هو اليوم من المواضيع المثيرة للجدل والنقاش خوفاً من أن تتحول الرياضة إلى سلعة تجارية بالكامل لا يحصل عليها إلا من يدفع ثمنها وهذا ربما سيضر بالرياضة على المدى الطويل، فمن المفيد جدا أن يعزز الجانب الإنساني والاجتماعي في الرياضة وأن يستفاد من إقامة هذه المناسبات الرياضة لتعزيز مثل هذه الجوانب وأن تستثمر أيضا لتعميق التواصل بين شعوب العالم خدمة لقضايا عالمية كثيرة مثل: السلام، وحماية البيئة، والعدالة العالمية، فمن الضروري أن يحصل المجتمع المحلي والعالمي على حصته العادلة من عوائد الإستثمار من إقامة مثل هذه الأحداث الرياضية.
في المملكة هناك وعي متزايد بهذا الشأن، ويظهر ذلك جلياً من خلال خطوات الهيئة العامة للرياضة فالمملكة في حاجة إلى أن يكون لها حضور قوي ومشرف في المناسبات الرياضية الإقليمية والعالمية وهذا لن يتحقق إذا لم نؤسس البيئة المناسبة والظروف الصحية والداعمة للرياضة المحلية، وتهيئة مثل هذه الظروف في حاجة إلى موارد كبيرة ومتواصلة وهذا لا يتم إذا لم نفعل الجانب الإقتصادي في الشأن الرياضي.
كما إن الإستثمار في دعم الأنشطة الرياضية من قبل الشركات المحلية هو إسهام في خدمة مجتمعها وتعزيز سمعتها وتواصلها مع المجتمع وهو أيضا له عوائد اقتصادية ستجنيها هذه الشركات على المدى القريب والبعيد كشراكة بين القطاعين العام والخاص، فالرعاية للأنشطة الرياضية ومشاركة القطاع الخاص في تبني رياضات معينة وتقديم العون والرعاية لرياضيين يمتلكون الإمكانية للبروز عالميا هي من أفضل الأعمال الوطنية المجدية إقتصاديا، ولكن هذا الأمر في حاجة إلى توعية وخطط وإستراتيجيات، فنحن سوق مهمة لمنتجات الكثير من الشركات الكبرى في الصناعات الرياضية وغير الرياضية في العالم ولا بد لنا أن نوظف هذه الإمكانية للدفع بهذه الشركات لإستثمار بعض عوائدها في دعم الرياضة المحلية وبناء المرافق الخاصة بها.
الشركات الرياضية وغير الرياضية تدرك المردود الإقتصادي للرياضة ولكنها لا تبادر من نفسها للإسهام في هذا المجال وعلينا أن ندفع بها إلى ذلك من خلال وضع الخطط المطلوبة وإعداد الظروف والأجواء المحفزة لها وهذه من مسؤولية المجتمع والمؤسسات العاملة في الحقل الرياضي.
ومن هنا تتضح الحاجة إلى إستراتيجية اقتصاد رياضي فعالة، وذلك لتحقيق أهداف وتطلعات المجتمع السعودي والقيادة والتحول الرياضي لأجل الإسهام في تحقيق رؤية المملكة 2030 التي تدعم الترابط والتعاون بين جميع الجهات الحكومية والقطاع الثالث لضمان تنفيذ الاستراتيجية الرياضية، لذا لابد على الهيئة العامة للرياضة في السعودية من تطوير المسارات والفرص والشراكات التي تسهم في تنمية الرياضة وتلبي حاجة المستثمرين والشركآء، وعلى بناء نموذج متطور لضمان تنمية رياضية شاملة، والسماح بتوسيع وإدخال مزيد من الألعاب الرياضية وتعزيز المشاركة المجتمعية وزيادة نسب الممارسة للرياضة وتشجيع جميع الفئات العمرية لتكون الرياضة سلوك مجتمعي وممارسة.
كما ينبغي على الهيئة رفع الكفاءة الإدارية التنظيمية والإجرائية وتسهيل الوصول إلى المرافق الرياضية وإمكان استخدامها بما يحقق الكفاءة والفاعلية، أيضاً تشجيع الشراكة مع القطاع الخاص وتوفير الفرص من خلال التنسيق بين الوزارت المعنية كالشؤون البلدية والقروية ووزارة الصحة ووزارة التجارة لتقوم بأدوارها التي تكمل دور الهيئة من خلال التوعية وتهيئة البيئة المناسبة وفرض القوانين من ضريبة انتقائية وغيرها على السلع التي تنعكس سلباً على تحقيق مجتمع رياضي مستدام.
وأخيراً، وتكراراً لتجربة بطولة العالم للشباب لكرة القدم ، وهي البطولة الرسمية للإتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا والتي نجحت السعودية بإستضافتها للمرة الأولى عام 89 ضمن أربع مدن سعودية بين الرياض، جدة، الدمام والطائف والتي فاز ببطولتها المنتخب البرتغالي هل سنرى كأس العالم قريباً بإستضافة سعودية؟
"نقلا عن صحيفة مال السعودية"