لا يمكن للمخزون أن يخفف مخاوف نقص الإمدادات

في الوقت الذي تبحث فيه "أوبك" وشركاؤها من خارج المنظمة كيفية تقييم حالة التوازن بين العرض والطلب وإضفاء الطابع الرسمي على إطار استمرار التعاون في المستقبل، سيكون من الحكمة مراقبة تزايد انقطاعات النفط غير الطوعية. في الوقت نفسه لا تزال هناك حاجة إلى تخفيضات مبرمجة في الإنتاج من منتجي "أوبك" الرئيسين غير الخليجيين، في حين على دول "أوبك" الأخرى وفي مقدمتها السعودية الحفاظ على عملية إعادة التوازن في مسارها، حيث من المتوقع أن يتجاوز نمو الإنتاج من خارج "أوبك" نمو الطلب العالمي على النفط هذا العام. لكن هناك أيضا احتمال متزايد أن العرض قد يبدأ في الانخفاض، حتى لو كان هذا الخطر غير محتمل في المدى القريب. من المتوقع أن يضيف المنتجون من خارج دول "أوبك"، بقيادة منتجي النفط الصخري الأمريكي نحو 1.9 مليون برميل يوميا من الإمدادات الجديدة هذا العام، بما فيها 1.1 مليون برميل في اليوم من النفط الخام الأمريكي، و400 ألف برميل يوميا من سوائل الغاز الطبيعي الأمريكية و400 ألف برميل يوميا من إنتاج النفط الخام من دول مثل كندا، البرازيل والمملكة المتحدة. هذا النمو القوي سيستجيب بيسر لنمو الطلب الجديد، الذي من المتوقع أن ينمو بمعدل 1.6 مليون برميل في اليوم أو نحو ذلك هذا العام. في آذار (مارس)، انخفضت مخزونات النفط التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD إلى ما دون متوسط تداول السنوات الخمس، ولكن المخزون لا يزال بإمكانه أن يقدم كثيرا من الدعم. حيث لا تزال المخزونات مرتفعة وفقا للمعايير التاريخية نظرا للارتفاع الأكثر من المعتاد في المخزون عندما كانت الأسواق غارقة بالنفط. لكن حالة التوازن أشارت أيضا إلى عجز في العرض أكبر من المتوقع في الربع الأول من هذا العام. عندما يقترن هذا الواقع بإدراك أن طاقات الإنتاج الاحتياطية لدى دول "أوبك" قد ضعفت بشكل كبير مع انهيار الإنتاج الفنزويلي وإمكانية إعادة فرض العقوبات على إيران، فإن هذا سيجد بيئة تتجاوب فيها أسعار النفط بسرعة مع المخاوف الجيوسياسية بعد أن تجاهلتها الأسواق لمدة ثلاث سنوات. حتى بعد أن تخلصت الأسواق من 300 مليون برميل نفط من المخزون منذ بدء خفض الإنتاج من قبل في "أوبك" وشركائها في كانون الثاني (يناير) 2017، ما زال بإمكان مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تخسر 100 مليون برميل أخرى أو أكثر دون تشدد هذه السوق. لكن مثل هذا السحب يمكن أن يحدث بسرعة إذا ساءت حالات الانقطاع غير المبرمجة (غير الطوعية) أو استمرت إلى ما لا نهاية. لقد زادت الانقطاعات غير الطوعية في إنتاج "أوبك" بمقدار 415 ألف برميل في اليوم بين الربع الأخير من عام 2017 والربع الأول من عام 2018، ما أدى إلى إزالة نحو 37 مليون برميل من المعروض من السوق. في الوقت نفسه، أظهرت حالة التوازن في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2018 عجزا أكبر من المتوقع وصل إلى 400 ألف برميل يوميا بعد أن أظهر الطلب على النفط قفزة غير متوقعة في شباط (فبراير). حتى إنتاج الولايات المتحدة الذي يعتبر سريع النمو يمكن أن يضيف إلى مخاوف العرض إذا ما بدأ النمو بالتراجع. حيث تعهد منتجو النفط الصخري بالالتزام بمطالب المستثمرين لإعطاء الأولوية للقيمة أو الربح على الحجم، لذا فإن التخفيضات المتزايدة على الأسعار في مراكز الإنتاج الرئيسة بسبب نقص طاقات النقل قد تؤدي إلى نمو الإنتاج بمعدل أبطأ مما يتوقعه المحللون في ضوء أسعار النفط القياسية السائدة. على الرغم من تداول خام غرب تكساس الوسيط في سوق نيمكس بنحو 68 دولارا للبرميل، إلا أن عديدا من المنتجين في حوض "بيرميان" الغزير بالنفط يحصلون على أقل من 60 دولارا للبراميل في السوق الآنية، ما يعكس التكاليف المرتفعة لتأمين طاقات الأنابيب المطلوبة أو استئجار سيارة أو شاحنة لنقل هذه الكميات إلى السوق. مع استمرار حاجة السوق إلى مراقبة عملية إعادة التوازن وإمكانية حدوث تحول سريع في العرض في أي وقت، فإن لدى الرياض وموسكو كثيرا من الدوافع للتفاوض على تحالف موسع بين "أوبك" والمنتجين خارج المنظمة، حتى لو تطورت أهدافها. إن وجود هذه البنية سيؤدي على الأرجح إلى جعل هؤلاء المنتجين أكثر مرونة في الاستجابة إذا احتاجت السوق إلى عودة الإنتاج بسرعة أو بدأ سعر النفط بالارتفاع بقوة ـــ على الرغم من أن مثل هذه الاستجابة لن تفعل الكثير لإخماد المخاوف الأطول أمدا حول ضعف الطاقات الاحتياطية العالمية في أعقاب سنوات من تراجع الاستثمار الرأسمالي في المشاريع الاستخراجية. انخفاض المخزونات والتراجع الكبير في الإنتاج الفنزويلي تجعل بالفعل أسعار النفط مضطربة. والمخاوف من نقص في العرض زادت بعد استهداف سورية بالصواريخ، ومع تدارس الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات نفطية على إيران. إن انخفاض الإنتاج من المنتجين الرئيسين هو التطور الأكثر إثارة للقلق إذا ما ترسخت المخاوف المتعلقة بالإمدادات لأن المخزونات يمكن أن تتجدد بسرعة من خلال ارتفاع العرض، ولكن لا يمكن استبدال انخفاض الإنتاج لفترة طويلة عن طريق السحب من المخزونات.

مقالات الكاتب