مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
يختلف الاقتصاديون في نظرتهم إلى النشطات أو السياسات الاقتصادية التي تتبناها الدول والمؤسسات. أي ركن يستند إليه الاقتصاد له أضرار ومنافع. وموقف العالم الاقتصادي أو الباحث في الشؤون الاقتصادية في الغالب ينطلق من المدرسة التي يتبناها. وهناك نشاطات أو مدارس أو اقتصاديات مختلفة، نقرأ ونسمع عنها باستمرار وتغطيتها تشكل مادة رئيسة لأغلب وسائل الإعلام وليس فقط تلك التي تختص بالاقتصاد شأن جريدتنا الغراء. إلا أنني لا أتصور أن مصطلح "الاقتصاد الصامت" معروف لدى القراء ليس بالعربية بل حتى باللغات الأجنبية. قد يرد هنا وهناك بالإنجليزية مثلا، أو قد يأتي ذكر المصطلح في الكتابات الأكاديمية، لكن حسب علمي المتواضع لا توجد دراسات أو أبحاث أو حتى مقالات تركز عليه وعلى ماهيته ودوره في النمو وتكوين الثروة. وأنا لا أدعي أنني مبتكر للمصطلح. وكذلك لا أدعي أنني عارف أو عالم بشؤون الاقتصاد. تجربتي في هذا الحقل لا تتجاوز الخبرة التي جمعتها مراسلا لوكالات إخبارية عالمية تأتي تغطية الشؤون الاقتصادية في قمة أولوياتها. وأرى أن حلقة من الحلقات الاقتصادية المهمة في دول منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة قد تنطبق عليها حالة "الاقتصاد الصامت"، وهو اقتصاد يعيق النمو وتنويع مصادر الثروة والاستثمار الأجنبي وتوطين العلم والمعرفة والتكنولوجيا المتطورة. "الاقتصاد الصامت" هو الجانب من الاقتصاد الذي يصمت أو لا يكترث رغم الأدلة الدامغة أن بقاءه على حاله سيعطل الدورة الاقتصادية ويكبت النمو ويزيح المنافع التي تراكمت نتيجة النمو الحاصل في اقتصاد يتكئ على الريع. وهنا أنا لا أتحدث عن الاقتصاد المتخفي أو الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد المقنع. اقتصادات مثل هذه في الغالب تعمل خارج نطاق التشريعات والأحكام وكذلك ما أصبو إليه يقع خارج دائرة وجوده قطاعات لم يتم استغلالها بشكل أمثل في الدورة الاقتصادية ولم تسهم حتى الآن بصورة فعالة في تعزيز الإنتاج القومي الإجمالي. "الاقتصاد الصامت" في رأي اقتصاد فيه خطر مبيت لأن ماكينته تزيتها التشريعات والأحكام وتقف الدولة والمؤسسات خلفها. وهو اقتصاد في الظاهر ونتيجة الأحكام والتشريعات يفيد قطاعا واسعا من المواطنين ولكن في جوهره يقف حجر عثرة في طريق النمو والبحث والتطوير ونقل وتوطين الصناعة والتكنولوجيا. وإن أراد باحث أن يتعمق في دراسة "الاقتصاد الصامت" للتوصل إلى نظرية أو نظريات حوله وفرضيات حول الممارسات الاقتصادية التي تتحكم فيه ومساره المستقبلي، فإنني أرى أن دولا عربية قد تشكل أرضا خصبة له. وبينما يحول "الاقتصاد الصامت" وممارساته دون النمو والتطور وتوطين المعرفة والتكنولوجيا في البلدان، تشكل ذات الممارسات حافزا كبيرا للنمو وتراكم الثروة في دول مثل الصين أو السويد مثلا. ولضيق المساحة المخصصة لهذا العمود، سأرد مثالين عن كيف أن حالة "الاقتصاد الصامت" تنطبق على منطقة الشرق الأوسط وليس على السويد رغم أننا نتعامل مع نشاط اقتصادي مماثل. قرأت أخيرا أن مئات الشركات تقاطرت لفتح مقرات لها في دولة أوسطية. وقرأت كذلك أن مئات شركات تكنولوجيا المعلومات الناشئة قد خرجت للوجود في مدينة ستوكهولم عاصمة السويد فقط في السنة نفسها. فمثلا في دولة ما كلما احتاجت إليه الشركات الأجنبية كان التعاقد مع مواطن من البلد الذي "رمزيا" يملك نسبة 51 في المائة في المشروع لقاء مبلغ من المال. عداه، الشركة الأجنبية تتحكم في كل حلقة كبيرة أو صغيرة في التوظيف والعمالة والإنتاج في المشروع. في هذه الحالة المشروع "صامت" بالنسبة للمواطن الشريك "رمزيا" فيه وهو صامت أيضا بقدر تعلق الأمر بتطوير وتدريب العمالة الوطنية وتوطين التكنولوجيا. في السويد الشركة أسسها سويدي أو ربما رائد عمل أجنبي قدم للسويد. في الحالتين الشركة ليست "صامتة" لأن التوظيف والعمالة والإنتاج والتطوير والبحث وطني 100 في المائة. الشركات الناشئة في السويد وبعد سنة بلغت قيمتها السوقية مليارات الدولارات وبعضها صار له صيت حتى خارج نطاق السويد وظهر على قوائم البورصة. والمثال الثاني يتعلق بنمو السكان، وهو مؤشر مهم. بلغت نسبة نمو السكان في البلد الخليجي أكثر من 3 في المائة وفي السويد نحو 1 في المائة. في البلد الخليجي كانت الزيادة الكبيرة نتيجة قدوم أمواج من العمال الأجانب غير الماهرين بأجور متدنية. نسبة نمو السكان في السويد كانت الأعلى في الدول الإسكندنافية وأتت حصريا نتيجة زيادة في الولادات بعد سلسلة من القرارات التي منحت الأطفال والأمهات والآباء امتيازات كبيرة.