مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
كان لنشر طلبات تسجيل براءات الاختراع لعام 2018 وقع الصدمة على العالم، حيث أظهر التقرير السنوي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة أن الصين لم تبز أمريكا في هذا المضمار فحسب بل استحوذت على نصف طلبات تسجيل براءات الاختراع في العالم.
وكان هناك اهتمام بارز في تقرير هذه السنة لأنه يأتي والصين وأمريكا في تنافس شديد حول الملكية الفكرية التي كانت ولا تزال واحدة من الأسباب الرئيسة للتطاحن الاقتصادي بين العملاقين.
ويعزو كثير من المراقبين سبب التناحر الاقتصادي وحرب التعريفات الجمركية بين أمريكا، صاحبة الاقتصاد رقم واحد في العالم، والصين التي تستحوذ على المرتبة الثانية إلى اتهامات الأولى للأخيرة بسرقة الملكية الفكرية.
لن أدخل في باب القوانين الدولية التي تنظم حقوق الملكية الفكرية، لأنه واسع جدا، إلا أن مقارنته بحقوق الملكية الفردية التي ترقى إلى مكانة القداسة في النظام الرأسمالي سيكون في محله.
أن تسجل الصين وحدها أكثر من مليون ونصف المليون براءة اختراع في عام واحد وتتفوق على أمريكا في ذلك، لعمري هذا يعد إنجازا كبيرا ويفتح الباب على مصراعيه لقيادة الصين للعالم في المضمار التكنولوجي والعلمي والمعرفي.
وهو كذلك مؤشر أرادت منه الصين أن تقول لأمريكا إنها لم تعد في حاجة إلى سرقة الملكية الفكرية للآخرين، الاتهام الذي تنفيه لكن فيه كثير من الحقيقة.
هناك شبه اتفاق بين علماء الاقتصاد والباحثين في مجال الملكية الفكرية أن الصين لم تترك بابا إلا طرقته لنقل التكنولوجيا الغربية إلى أراضيها ومن ثم توطينها.
فقد شرعت قوانين استثمار تميل كفتها لمصلحة الصين من حيث النقل والاستفادة القصوى من الملكية الفكرية ولا سيما براءات الاختراع التي لم يكن بد للشركات الغربية إلا وضعها في متناول الصين لقاء حرية الاستثمار في أراضيها. ومن الذي لا يسيل لعابه للاستثمار في السوق الصينية؟
في بداية نهضتها -أي المرحلة التي فتحت فيها أسواقها للاستثمار الأجنبي- استندت الصين كثيرا إلى الملكية الفكرية الغربية. أحيانا كانت تستحوذ عليها على طبق من ذهب ضمن الاتفاقات الثنائية مع الشركات المستثمرة، وأخرى "تسرقها" من خلال تطبيق مبدأ التقليد أو الهندسة العكسية.
لكن الأمور تغيرت منذ نحو عقد من الزمان حيث دخلت الصين مجال التصميم الصناعي متكئة على علمائها ومهندسيها ومبتكريها ومسجلة طفرات كبيرة في براءات الاختراع حتى وصلت إلى أرقام فلكية في العام المنصرم حيث تم تسجيل مليون و542 ألف براءة اختراع.
ربما تحاول الصين بتسجيلها هذا العدد الكبير من براءات الاختراع إرسال عدة رسائل في آن واحد وأهمها أنها لم تعد في حاجة كي "تسرق" من أحد؛ وكذلك فإن الزمن الذي كانت تلهث فيه لتقليد اختراعات ومنتجات الآخرين أصبح في خبر كان.
وبدخولها مضمار التصميم والاختراع تكون الصين قد وضعت بصمة قد لا تمحى في طريقها للاستحواذ على المرتبة الأولى في العالم من حيث حجم الاقتصاد وفي فترة قصيرة ربما لم تكن في الحسبان.
وكذلك تكون الصين بهذا الإنجاز قد أزاحت واحدة من أهم المشكلات العويصة في الحرب التجارية بينها وبين أمريكا ألا وهي مسألة الملكية الفكرية.
وآخر دلالة لإحصائيات الملكية الفكرية للعام المنصرم تؤشر لنا بوضوح إلى أن كفة العلم والمعرفة أخذت تميل صوب الصين وجنوب شرق آسيا، حيث بلغت حصة دولها أكثر من ثلثي العدد الإجمالي لطلبات تسجيل براءات الاختراع التي وصلت على مستوى العالم إلى ثلاثة ملايين و300 ألف. وبهذا يخفت بريق أمريكا وأوروبا الغربية كأكثر المناطق خصوبة بالنسبة لعدد المبتكرين والابتكارات.
ولكن ماذا عن الدول العربية؟
الإحصائيات التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة لا تبشر بالخير وتشير إلى غياب الابتكار والمبتكرين في الدول العربية، ما يجعل المرء يسأل ماذا تفعل الجامعات في هذه البلدان؟
ومن المؤسف أن تكون براءات الاختراع المسجلة في البلدان العربية أقل من تلك التي جرى تسجيلها في إسرائيل أو تركيا أو إيران.
ومن المحزن أن تكون هناك دولة غنية جدا في إمكانها استضافة الألعاب والمباريات الرياضية على مستوى العالم لكن لم تسجل جامعاتها براءة اختراع واحدة.
لكن هناك مؤشر واحد إلى التفاؤل لاحظته في التقرير عند بحثي عن مكانة الدول العربية وهو يخص المملكة، حيث سجل مبتكروها 3399 براءة اختراع في العام المنصرم، متصدرة الدول العربية ومنها مصر بأكثر من ألف براءة اختراع.
آمل أن يبني مبتكرو وعلماء وأساتذة المملكة على هذا الإنجاز ونشهد في الأعوام القليلة المقبلة تفوقهم على تركيا التي سجل باحثوها 7466 ألف براءة اختراع، أو إسرائيل التي سجل علماؤها 7336 براءة اختراع.