إن تخلي السلطه النقديه عن حماية عملتها من الانهيار بحجة التعويم الحر ، هراء وازدراء بدور الدوله لحماية مظهر من مظاهر سيادتها .
فخسئ من يروجون لذلك لأنهم يجهلون ويدعون ما لا يعرفون .
فلا يوجد نظام صرف في التاريخ النقدي كله من بعد انهيار اتفاقية برتوون- وودز ، ولن يوجد مستقبلا ، نظام صرف تتخلى فيه الدوله عن دورها الاقتصادي كمنظم سياسات لحماية عملتها .
والتجربه التاريخيه والشواهد كثيرة في هذا الجانب .. ولا يخفى على المتابعين والمهتمين والمشتغلين في المؤسسات النقديه بكافة تصنيفاتها ماحدث إثر الأزمه الماليه العالميه (2008) التي هزت أركان اقتصادات أعتى الدول الرأسماليه وأكثرها ليبراليه ، عندما هبت الولايات المتحده لضخ حوالي 700 مليار دولار لإنقاذ مايمكن إنقاذه من المؤسسات الماليه التي انهارت او كادت ان تنهار جراء تداعيات الازمه التي ظهرت في طورها الاول كأزمه نقديه ( ايئتمانيه) وانتقلت الى الاسواق الماليه ثم تطورت إلى أزمة اقتصاديه طالت مجالات الاقتصاد الحقيقي ) . وعرف هذا النوع من التدخل في الادبيات الاقتصاديه لاحقا بمصطلح "التيسير الكمي للسياسه النقديه " .
وهكذا كان الامر بالنسبه للاقتصادات الرأسماليه الأخرى التي انتهجت ذات المنهج وضخت الموارد النقديه لتجنب انهيار المؤسسات النقديه والماليه والانتاجيه .
ومافتئت تلك الدول الى يومنا هذا تنتهج ذات النهج بقدر الآثار التي لازالت عالقه باقتصاداتها . اذا كان ذلك حدث - ويحدث - في ظل اقتصادات راسمأليه اسواقها متطوره ومنظبطه وآلية العرض والطلب تفعل فعلها وتحميها تشريعات صارمه ، وليس اسواق حره منفلتة عن عقالها . فكيف لا تتدخل السلطه النقديه في البلدان التي لاتتوفر أسواقها - بعد - على أبسط مقومات اقتصاد السوق ؟!!
فكفوا عن ترك السوق المنفلت ليحدد سعر صرف العملة الوطنيه بعيدا عن ما تستهدفه متطلبات الاقتصاد الحقيقي .
وفي سياق ما نستهدفه من الموضوع ، فإن التأصيل المفاهيمي لنظام سعر الصرف المعوم كما جاء في الأدبيات الاقتصاديه ينص على أن مفهوم سعر الصرف المعوم الحر : حين يترك لسعر الصرف حرية التغير بشكل مستمر عبر الزمن بما تحدده آلية العرض والطلب (قوى السوق) ، ولاتتدخل السلطه النقديه في التأثير على مسار وحجم التغير ، بل يقتصر تدخلها في التأثير على سرعة التغير .
(كما هو حال سرعة التغير في سعر صرف الريال مقابل الدولار هذه الايام التي بلغت أوجها . بعد ان سجلت البيانات ارتفاع سعر الصرف مابين أمس واليوم ،29-30 يوليو 2018 بحوالي 5 ريالات للدولار الواحد .!!! ) .
أما النظام الآخر المعوم الذي يطلق عليه " سعر الصرف المعوم المدار " فيترك لسعر الصرف حرية التغير حسب ما تحدده قوى السوق وفي حدود لا تبتعد كثيرا عن مستوى ما هو محدد من قبل البنك المركزي كسعر صرف تأشيري ، ويتدخل البنك المركزي في السوق للتأثير على حجم التغير فيما اذا تجاوز الحدود المستهدفه ، أو أتسعت الفجوه بين سعر صرف السوق وسعر الصرف التأشيري.
ولنا عودة للحديث عن انواع نظم الصرف التي عرفها التاريخ النقدي وتأصيلها المفاهيمي .
ا.د/ محمدعمرباناجه
30/يوليو/2018