درجت مكاتب البريد في عدن وغيرها من المحافظات المحيطة بها على مواصلة التنكيل بالمتقاعدين، الأحياء منهم والأموات، من خلال الاستمرار في فرض واتباع سياستها الإدارية الفاشية والفاشلة لصرف مرتبات كل من شاءت الأقدار أن تكون هذه المكاتب متحكمة في صرف رواتبهم الشهرية. الرواتب التي ما ان يحل موعدها حتى يتجدد البدء بمسلسل السادية المفرطة التي يمارسها مدراء وموظفو مكاتب البريد بغبطة وحبور منقطع النظير، فتراهم يقلصون نوافذ الصرف غير مكترثين بتكدس الأجساد المنهكة فوق بعضها وفي طوابير لا تنتهي، أو لنقل لا يراد لها ان تنتهي من قبل القاعدين خلف الحواجز العالية على مقاعد متحركة، مستغلين حالة التسيب والفراغ الممنوح لهم لإثبات وجودهم وفرض هيمنتهم وتفرد سيطرتهم.
مكاتب لا تفتح أبوابها إلاَّ نادراً وبصورة متأخرة لا لشيء وإنما لكي يطلوا بطلعتهم على طوابير المسنين والمرضى والمقعدين، مالئين عيونهم ونفوسهم المريضة بمشاهد معاناة وإجهاد تلك الطوابير، التي عليها بعد أن يفتك اليأس وخيبة الأمل بها ان تتلقى عادة ولمدة أسابيع الخبر الصادم والفج (مافيش فلوس) ليكون نصيبهم المتكرر التطلع إلى صباح يوم آخر ليعاودوا مشوار الطوابير والتدافع إلى بوابات مكاتب البريد متعددة المداخل والمخارج على أمل ان يحصلوا على ما يعينهم لشراء حبة دجاج أو نصف كيلو ثمد لهم ولأسرهم.
ويأتي اليوم الثاني وربما الثالث أو الرابع والذي نادراً ما يحمل فيه ما يخالف ما حصل لهم في الأيام التي سبقت فتفتح نافذة أو اثنتان فقط لبدء الصرف المشوب بالفوضى والقلق.. وبالهداوة وأشبه ما يكون بالولادة المتعسرة يتم الصرف للربع وربما لأقل من الربع لمن رواتبهم لا تتعدى الخمسة والعشرين أو الثلاثين ألف ريال، ليكون نصيب من تبقى تلقي ذات الخبر البغيض والمنحط (الفلوس خلصت) حرصاً من هذه المكاتب ان لا ينتهي مسلسل الإذلال للناس وبالذات منهم الذين لا قيمة لهم بسبب عدم قيمة ما يتقاضون من رواتب حقيرة لا تعينهم على تخطي الحواجز. وهكذا يستمر العرض طوال أيام الشهر حتى ينتهي آخر واحد من استلام راتبه،
وهنا يتبين لا فساد هذه المكاتب وفشل ادارتها فحسب، وانما خبث من جعل مكاتب البريد بوضعيتها هذه قوّامة على التحكم برواتب المتقاعدين المعدمين دون وجود من يراقب مستوى ادائها ويلزمها بتصحيح أوضاعها ومحاسبتها عن كل تقصير أو خلل ترتكبه وتتسبب فيه. فأين الحكومة من هذه المكاتب والقائمين عليها الذين اصبحوا يتعاملون مع المتقاعدين كشحاذين وليس كزبائن يرفدون من رواتبهم الضئيلة دخلها بعشرات الملايين شهرياً لتكون رواتبهم وحوافزهم الباهظة.
وعليه نقول للحكومة والجهات المعنية عيب ان تواصل مكاتب البريد اسلوبها المشين هذا في التعامل مع المتقاعدين.
عيب ومخجل ان لا يتم إلزام البريد بتوفير رواتب المتقاعدين في موعدها وصرفها خلال يومين أو ثلاثة كحد أقصى. عيب ان يجري التغاضي عن مواصلة مكاتب البريد في اذلال الناس وابتزازهم طوال شهور وأيام السنة.
عيب ومخجل ان يستمر الصمت على تلاعب هذه المكاتب بالقوانين والأنظمة وشرف وأخلاقيات المهنة فيمنعون المتقاعدين من ان يستلموا رواتبهم من اي مكتب بريد ومتى يشاء.
عيب ومعيب ان نرغم على تناول هذه القضايا عبر الصحافة في حين يفترض وجود رقابة ومحاسبة ودولة وحكومة، الذين نرجو أن نلمس حضورهم قبل ان نضطر لمواصلة تناولاتنا هذه ذاكرين ومشيرين إلى الاسماء والمكاتب والمدراء والموظفين المخالفين.