مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
العلماء هم النجوم المضيئة التي تستنير بها المجتمعات، على اختلاف تخصصاتهم ومجالاتهم، فبهم تنهض الدول، وتقوم الحضارات، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية إيجاد الحلول المبتكرة للمشكلات والتحديات، والبحث عن الطرق المثلى للارتقاء بالأفراد والمجتمعات، والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بطرق عقلانية، يضمن استمراريتها واستدامتها، والسعي الدؤوب لنفع البشرية وخدمة الإنسانية، بما أوتوا من علم وحكمة ومكانة.
إن من أهم الأوليات التي ينبغي على العلماء العناية بها في هذا الوقت، تعزيز السلم والاستقرار والتعايش في المجتمعات، والمشاركة في إطفاء نيران الصراعات والحروب ومسبباتها، والتصدي لظاهرة الإرهاب والتطرف، وتكريس قيم المواطنة الصالحة، وتعزيز جسور الوئام والانسجام بين شعوب الأرض، لتسود بين الجميع روح الاحترام المتبادل، وتُنزع فتائل التعصب والطائفية والتطرف والإرهاب، وهذه المسؤولية الكبرى، يتشارك فيها جميع المتخصصين في العلوم الشرعية والإنسانية والاجتماعية والتطبيقية، فيتكاتفون في تحقيق هذا الهدف المشترك، الذي ينبغي أن يكون على رأس أولوية كل عالِم.
ومما يخدم ذلك، أن يعتني العلماء بترسيخ القيم الإنسانية التي ترقى بالإنسان، وتهذب فكره وسلوكه، ليكون مصدر خير وسعادة لنفسه ولغيره، وبث هذه القيم في كل التخصصات والمجالات، فبلا هذه القيم، يصبح العلم وبالاً على الإنسانية، ويصبح العالِم أداة لخدمة الشر، ومطية للاستعمار وسحق البشرية، وعندما أخلَّ العالَم بهذه المزاوجة بين القيم الإنسانية والعلوم المادية في القرن الماضي، حصد حروباً عالمية، خلدها التاريخ في أسوأ الصفحات، وقد ذهب ضحاياها ملايين من البشر.
وأُخضع الإنسان فيها لتجارب رهيبة، وظهرت التصفية العرقية، وتصفية الفئات الاجتماعية الضعيفة، وانتشر التطرف والكراهية والعنصرية والإرهاب على أوسع نطاق، وها هو العالَم اليوم يبحث عن طرق خلاص، محاولاً منع تكرار تلك المآسي، وقد وجد في القيم الإنسانية بُغيته، وهنا، تتنوع الاجتهادات والرؤى، ويأتي دور العلماء في ترسيخ الرؤى السديدة، التي تسمو بالإنسان حقّاً وصدقاً في سماء الأخلاق الراقية، وترقى بنفسه وروحه.
وإن إسهام العلماء في هذا الإطار، لا يتأتى إلا بأن يتحلَّى العالِم نفسه بالقيم النبيلة، كقيم الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح والاحترام والتواضع، فالعلم والأخلاق قرينان متلازمان، يقول علي مصطفى مشرفة عالم الفيزياء المصري المشهور: «إن دراسة العلوم ليست مجرد شيء مادي قوامه الحديد والنار والغاز والكهرباء، بل إن لطالب العلم والمشتغل به صفات روحية، هي أساس نجاحه، بل هي سر وجوده، فطالب العلم طالب حقيقة، ومن طلب الحقيقة أحب الحق، ومن أحب الحق صَدَق، ومن صدق اتصف بالأمانة، ومن كان أميناً كان نزيهاً، ومن كان نزيهاً كان شجاعاً، ومن كان شجاعاً كان ذا مروءة».
ومن القيم المهمة التي لا يستغني عنها العلماء لبناء المجتمعات، احترام التخصصات، فالخائض في غير فنه آتٍ بالعجائب، فالفيزيائي الذي ينصّب نفسه مفتياً في مسائل الدين وأحكامه، قد خاض في غير فنه، والداعية الذي ينصّب نفسه فيزيائياً يؤلف النظريات ويلوي أعناق النصوص، قد خاض في غير فنه أيضاً، وكم عانت المجتمعات بسبب ظاهرة كسر احترام التخصص، فكثرت المؤلفات في الخطاب الديني من غير المختصين به، كما كثرت المؤلفات في ما يسمى بالإعجاز العلمي وغيره، دون تقيد بالمعايير الدينية والعلمية، والعلاج هو في تحقيق التكامل بين التخصصات، والتعاون بين المختصين، بما يخدم كل عالم اختصاصه والفن الذي يتقنه، دون أن يخوض في ما لا يتقنه، فيضر أكثر مما ينفع.
ومن الأولويات الكبرى التي ينبغي أن يهتم العلماء بها، المخرجات الإيجابية التي تعزز الأمن والاستقرار في الأوطان، فالعلماء هم أولى الناس بأن يكونوا حصوناً منيعة ضد كل ما يخل بالأمن وينشر الفوضى، وأن يقفوا مع قياداتهم في ما فيه خير أوطانهم، ولا يكونوا خناجر مسمومة في ظهورها، أو أدوات تستقوي بها المنظمات الخارجية للتأليب والتحريض وفرض الإملاءات على دولهم.
ومن العجب ما تصنعه بعض القنوات الموجهة، من إظهار بعض الفئات المتآمرة الذين جرَّمهم القانون في دولهم، بمظهر العلماء، وهم متطرفون متآمرون، لا يمتّون إلى العلم والعلماء بصلة، وعجباً لتلك المنظمات الحزبية التي تدعي أنها منظمات علماء، وهي لا عمل لها سوى التحريض ضد الدول والاستقواء عليها، وخدمة أهداف القوى الإقليمية الطامعة، فهؤلاء لا يمتّون إلى العلم بصلة، وهم أدوات هدم للمجتمعات لا بناء.
ومن أولويات العلماء في بناء المجتمعات في العالم العربي، الإسهام الفاعل في تحقيق التنمية والازدهار، واستئناف الحضارة العربية، ودفعها للريادة والصدارة من جديد، وإن دولة الإمارات نموذج يحتذى به في دعم العلم والعلماء، فقد حرصت كل الحرص على احتضانهم، وتوفير البيئة الجاذبة لهم، وأطلقت العديد من المبادرات التي تخدم ذلك، ومنها إطلاق مجلس الإمارات للعلماء، ومبادرة الإقامة الذهبية الدائمة للعلماء والمتخصصين في الأبحاث والعلوم، وغير ذلك، إيماناً من دولة الإمارات بأهمية العلماء، ودورهم الكبير في بناء المجتمعات.