الثروة العلمية أساس التقدم

تتفاخر الأمم والدول بإنجازاتها، ومن أهم هذه الإنجازات ما تمتلكه من ثروة علمية، تؤهلها لبلوغ الصدارة والريادة، وتحقيق التقدم والازدهار لشعوبها وللإنسانية في كل مكان.

وقد نوه العلماء والحكماء عبر العصور على أهمية العلم وقيمته الكبرى وضرورته القصوى للمجتمعات الإنسانية، لترتقي وتزدهر، وأهمية تنشئة الأجيال عليه، ليكونوا بما يحملونه من حصاد معرفي مؤهلين باقتدار على خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم، وإيجاد الحلول الناجعة للمشكلات بالطرق العلمية المثلى، قال مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «إن العلم هو الثروة الحقيقية التي يجب على الأبناء أن ينهلوا منه؛ لأن المال لا يدوم، ولأن العلم هو أساس التقدم»، وقال أيضاً: «إن الأمم لا تقاس بثرواتها المادية وحدها، وإنما تقاس بأصالتها الحضارية، والكتاب هو أساس هذه الأصالة، والعامل الرئيسي على تأكيدها».

وقد ترسَّخت هذه القيمة في الوعي الاجتماعي الإنساني، حيث اتفقت العقول على أنَّ العلم كمال والجهل نقص، وكان للحضارة العربية والإسلامية قدم السبق في هذا المضمار، بما حملته من دعوة للتعلم والقراءة والتأمل والتفكير والنظر، وكان أول كلمة نزلت من القرآن الكريم هي {اقرأ}، وقد انعكس ذلك في مسيرة الحياة في العصر الإسلامي الأول، فحدث تغير جذري في بنية الفرد واهتماماته، ليصبح العلم والمعرفة والقراءة وتنمية العقل والإنتاج الثقافي على رأس أولوياته، وفي غضون سنوات قليلة أحدث الإسلام تغييراً جذرياً في المنطقة، إذ تحولت من منطقة تنتشر فيها الأمية والجهل إلى منطقة تموج بالعلم والتعلم والازدهار المعرفي، وتوجهت اهتمامات الأسر إلى تنشئة الأجيال على العلم، وتشجيعهم عليه، وإنفاق الغالي والنفيس في سبيل ذلك، ما أثمر ظهور علماء جهابذة في فروع العلم المتاحة آنذاك، وانتشار الأروقة العلمية في كل مكان، والتي كانت زاخرة بآلاف الطلبة الذين توافدوا من شتى بقاع الأرض.

فالعلم هو أساس التقدم، والرقي بالإنسان، وازدهار الحياة، وإحداث التغيير الإيجابي الذي يحقق للأفراد والمجتمعات السعادة والحياة الكريمة، والعالم اليوم أحوج ما يكون إلى الاستثمار في العلم والمعرفة لمواجهة التحديات العديدة التي يواجهها، سواء مشكلات بيئية كالاحتباس الحراري وتغير المناخ، أم تحديات الطاقة وتطوير مواردها البديلة والنظيفة لتحقيق التنمية المستدامة، أم تحديات التنويع الاقتصادي وبناء اقتصاد معرفي وربط مخرجات التعليم بسوق العمل، أم مكافحة المرض والفقر والجوع العالمي، أم مكافحة الإرهاب والتطرف والصراعات والحروب ومهددات الاستقرار العالمي، وغيرها من التحديات الكثيرة الراهنة التي تواجه البشرية، والتي تتطلب تعبئة طاقات الأجيال والشباب ليتزودوا بالعلوم والمعارف التي تمكنهم من اكتشاف أنجع الحلول لهذه المشكلات.

إن دول العالم اليوم تتسابق في ميادين التسلح المعرفي، لإيمان الجميع بأن الثروة العلمية هي أساس التقدم، وأولى الناس بذلك هم ورثة الحضارة العربية العريقة، التي حملت مشاعل العلم للعالم أجمع، وذلك بتشجيع العلم والبحث والابتكار، وغرس ذلك في المجتمعات، وتطوير المؤسسات التي تخدم ذلك وفق أرقى المعايير الحديثة، وإطلاق المبادرات التي تعنى بذلك، ومن أهم متطلبات تعزيز الثروة العلمية في العالم العربي كذلك العناية باللغة العربية الفصحى التي هي وعاء العلم وخاصة لدى الناشئة، فمن التحديات التي تواجه الطلبة والدارسين وجود فجوة بينهم وبين اللغة العربية التي هي لغة تواصلهم مع العلم على مقاعد الدراسة والبحث، بسبب الهوة بين الفصحى والعامية، وهي المشكلة التي قد لا تواجه بصورة كبيرة بعض المجتمعات الأخرى كالمجتمعات الناطقة باللغة الإنجليزية لعدم وجود فارق كبير بين لغة العلم واللهجة التي يتحدث بها الطلبة في حياتهم العادية، مما يتعين وضع استراتيجيات للتغلب على هذه المشكلة، وتمكين الطلبة في العالم العربي من لغتهم العربية، لرفع قدراتهم على الفهم والاستيعاب وتعزيز تواصلهم مع المواد التي يدرسونها.

كما يقع على المعلمين والمعلمات وخاصة في مراحل الروضة والصفوف الابتدائية الأولى مسؤولية كبرى، للرقي بالنشء، وتزويدهم بالمهارات التي يحلقون بها في آفاق العلم والمعرفة، وكذلك مشاركة الأسر في ذلك، بتربية الأبناء على حب العلم، وتشجيعهم على ذلك، ومتابعتهم، وتنمية مواهبهم وصقلها، وتزويدهم بملكات التفكير الإبداعي، وتمكينهم من الاعتماد على أنفسهم، وتدريب عقولهم، واستخراج مواهبهم الكامنة، ليكونوا بناة المستقبل وثروات حقيقية لأوطانهم.

ومن النماذج المعاصرة المشرقة والملهمة التي سارت في طريق العلم والمعرفة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أولت العلم عناية كبرى، وعملت على جودة التعليم وتطويره وفق أفضل النظم والمناهج والتجارب العالمية الحديثة، وخصصت لذلك ميزانية كبيرة، للارتقاء بالأجيال، وها هي دولة الإمارات تحقق الإنجازات العلمية المتوالية التي يفتخر بها الجميع، ومنها ما حققته من إنجازات في مجال علوم الفضاء، والذي تكلل بإرسال أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية، في مسيرة علمية مستمرة تهدف إلى جعل دولة الإمارات في مقدمة الدول المتقدمة علمياً.

مقالات الكاتب