صعود وهبوط الدولار في مصر

أخيراً كسر الدولار الأمريكي حاجز الـ 16 جنيهاً مصرياً نزولاً للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وبالتحديد منذ يوم الخميس 3 نوفمبر 2016.

حينما تم تعويم الجنيه المصري، أمام العملات الأجنبية، وكان يوماً فارقاً إلي حد كبير في الاقتصاد المصري. المصريون تعودوا دائماً على تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وبقية العملات الأجنبية.

لكن هي المرة الأولى، التي يرون عملتهم الوطنية وهي تقوى أمام الدولار وعلى أسس حقيقية إلى حد كبير.

حتى يوم 3 نوفمبر 2016، كان هناك سعران للدولار، الأول رسمي ويبلغ نحو ثمانية جنيهات، والثاني في السوق السوداء، ولامس العشرين جنيهاً.

وحينما تم التعويم بدأ الدولار بـ 13 جنيهاً، وظل يرتفع حتى وصل إلى أكثر من 18 جنيهاً.

الاعتقاد وقتها أن الدولار كان سيصل إلى 25 أو 30 جنيهاً، وسر ذلك أن أي شيء في مصر سواء كان سلعة أو عملة أو خدمة يرتفع ولا ينخفض،

لكن ما حدث كان العكس تماماً، فمنذ بداية عام 2019، انخفض الدولار بمقدار جنيهين كاملين بنسبة 11%.

حاجز الـ 16 جنيهاً هو حاجز رمزي إلي حد كبير. وقبل قرار التعويم كان الجميع تقريباً يلجأ إلي السوق السوداء أو الموازية للحصول على الدولارات.

كانت هناك قصص مأساوية كثيرة من أول الشخص الذي يرغب في العلاج بالخارج، أو الطالب الذي يريد تحويل مصاريف دراسية، نهاية بالتاجر الذي يريد تمويل تجارته الخارجية.

هؤلاء وغيرهم كانوا يقدمون طلباتهم للبنوك ثم ينتظرون «الفرج» الذي غالباً كان يتأخر كثيراً، أو لا يأتي أبداً، ناهيك عن أن البنوك لم تكن تمول بالمرة أي استيراد للسلع التي يتم وصفها بأنها استفزازية أو غير أساسية. في ظل هذا المناخ.

كان طبيعياً أن تنتعش السوق السوداء، ويلجأ إليها كل من يريد تمويل تجارته أو حاجته للدولارات سواء كان تاجراً أو طالباً أو مريضاً.

وهكذا حقق تجار العملة أرباحاً طائلة، خصوصاً في الشهور الستة التي سبقت صدور قرار التعويم، رغم القوانين والقرارات الحكومية والأمنية والقانونية التي تجرم تجارة العملة.

 

الحكومة وأجهزة الأمن حاربت هذه الظاهرة بقوة، وقالت إن أنصار جماعة الأخوان لعبوا دوراً مهماً في انتعاش هذه التجارة، لتخريب الاقتصاد المصري، وعلى عهدة التقارير الحكومية.

فإن أنصار الأخوان، كانوا يقومون بجمع جزء كبير من تحويلات المصرين في الخارج، خصوصاً في الخليج، على أن يتسلم أصحابها وأهاليهم في مصر قيمتها بالعملة المحلية ما يحرم الحكومة من أحد المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي، الذي قفز مؤخراً إلى أكثر من 45 مليار جنيه، محققاً رقماً قياسياً.

قرار التعويم من وجهة نظري كان صحيحاً ومهماً جداً، رغم أن آثاره المباشرة والوقتية كانت شديدة القسوة على غالبية المصريين.

لأن ترجمته العملية، أن مرتبات ومدخرات المصريين بالعملة المحلية، قد انخفضت بقيمة انخفاض الجنيه نفسه أمام الدولار،

لكن في المقابل فإن التشوه الرهيب في الموازنة العامة قد توقف. ما كان يحدث قبل التعويم عملية تواطؤ متبادل بين الحكومة والمواطنين، الحكومة تثبت سعر الدولار أمام الجنيه عند سعر معين غير حقيقي، على أن تتحمل هذا الفرق، أو بعبارة أصح تتحمل الموازنة الخسارة أو العجز المستمر، الذي سيدفع ثمنه المواطنون في الأجيال القادمة.

بالتوازي مع عملية التعويم، كان قرار بدء إلغاء الدعم التدريجي عن غالبية السلع والخدمات، وبيعها بسعر تكلفتها أو بالسعر العالمي، خصوصاً الوقود.

هذا الأمر أدى أيضاً إلى ارتفاع شامل في أسعار غالبية السلع والخدمات، لكنه في النهاية، خفف العبء عن الموازنة العامة أولاً، والأهم أنه جعل المواطنين يكيفون معيشتهم على أساس الواقع. وبدأ الجميع تقريباً عملية تقشف واسعة النطاق، خفضت كثيراً من الآثار السلبية الناجمة عن التعويم ورفع الدعم عن الوقود.

إحدى النتائج الأساسية لهذا التوجه ـ الذي تحمله المواطنون بشجاعة فائقة وصبر بلا حدود، أن الحكومة خفضت أسعار الوقود للمرة الأولى في تاريخها الحديث، لأنها طبقت آلية التسعير التلقائي طبقاً للأسعار العالمية للبترول من جهة، ولسعر الدولار أمام الجنيه من جهة أخرى.

تلك كانت قصة العلاقة الملتبسة بين الجنيه المصري والدولار الأمريكي، والتي بدأت تصبح علاقة طبيعية خاصة لقوانين السوق والعرض والطلب. ولا بد أن تكتمل بزيادة الإنتاج والصادرات وتوفير فرص العمل.

والسؤال الذي يسأله كثيرون، هل يستمر هذا التحسن للجنيه أمام الدولار، أم أنه مصطنع وهل من مصلحة الاقتصاد المصري أن يستمر ارتفاع قيمة الجنيه، وأثر ذلك على الصادرات والواردات. أسئلة كثيرة ومهمة سوف تجيب عنها الأيام المقبلة، إن شاء الله.

 رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

مقالات الكاتب