مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
«نحن لم نسهم في الثورات الصناعية الأولى والثانية والثالثة والرابعة، كما حدث في الدول المتقدمة، وبالتالي لابد من المشاركة في هذه الثورة الحالية وألا نفوّت هذه الفرصة».
العبارة السابقة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مداخلته صباح يوم الاثنين قبل الماضي في جلسة: «الذكاء الاصطناعي والبشر.. من المتحكم؟» في اليوم الثاني لجلسات منتدى شباب العالم الذي انعقد لمدة أربعة أيام في مدينة شرم الشيخ الساحلية.
هذه الجلسة كانت شديدة الأهمية، لأنها من المرات القليلة التي ننشغل فيها كمصريين بالمستقبل الحقيقي، بدلاً من الجدل الذي يكون عقيماً في مرات كثيرة ويتعلق بقضايا إما تخص الماضي السحيق، أو تخص الحاضر لكنها شديدة السطحية ولا تهم واقعنا أو مستقبلنا.
في هذه الجلسة قال الرئيس السيسي إن التكنولوجيا يمكنها أن تساعد في محاربة الفساد وإهدار المال العام، حيث مكنتنا من حذف مليوني بطاقة تموين مكررة من بين 9 ملايين بطاقة تموين، تقدمها الدولة للمواطنين، ويحصلون بموجبها على سلع أساسية مدعمة بأسعار تقل عن أسعار السوق.
الرئيس تحدث كثيراً، عن كيفية تأهيل وتجهيز الشباب لاستقبال العام الجديد والوظائف الجديدة، وكشف خبراً مهماً هو أنه بدءاً من العام الدراسي المقبل فإن مصر ستفتح جيلاً جديداً من الجامعات، تضم كل العلوم الحديثة للمساهمة في تجهيز الشباب المصري لسوق العمل، وكذلك عمل توأمة مع الجامعات المتقدمة عالمياً في مجال الدراسات الحديثة.
لا يدرك كثيرون أن الثورة الصناعية الحالية والمستقبلية سوف تغير إلى حد كبير من شكل وطبيعة الوظائف المتاحة. وهناك تقديرات بأن أكثر من نصف الوظائف الحالية سوف تختفي، وتظهر بدلاً منها وظائف أخرى، يتمحور معظمها حول التكنولوجيا خصوصاً الذكاء الاصطناعي.
وكما قال السيسي في الجلسة فإننا إذا لم ننتبه للقفزات الموجودة والمتسارعة والهائلة في التقدم العلمي، فإن التخلف عنها سوف يصعب تعويضه، وسوف يزداد المتقدمون تقدماً، والمتأخرون تأخراً.
السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه في ظل هذه المعطيات هو: ما درجة وطريقة استعدادنا في مصر لمواكبة هذه الثورة التكنولوجية المتسارعة؟!.
الرئيس قال: «إننا بدأنا الاستعداد وقطعنا خطوات في هذا الصدد، وأنه لا يوجد لدينا بديل عن التقدم ومن سيتخلف عن الركب سوف يضيع».
أظن أنه من المهم أن يسير الاستعداد لهذه الثورة المنتظرة في مسارات متوازنة. من وجهة نظري فلا بد أن نضمن وجود كوادر مؤهلة تقود عملية الانتقال من النظام شبه اليدوي الذي يعشعش داخل عقول الكثير منا إلى رحابة الذكاء الاصطناعي.
وقد استمعت خلال الفترة الأخيرة إلى أخبار جيدة من العديد من الخبراء خلاصتها أننا نملك مئات آلاف من الشباب خريجي معاهد وكليات الحاسبات، وأرجو أن تبحث عنهم الحكومة وتعطي لهم الفرصة على أساس كفاءتهم وليس على أي أساس آخر.
النقطة الثانية، هي أن نضمن وجود موارد كافية لهذا الأمر، لأنه مكلف، وفي منطقتنا العربية، هناك بعض الدول التي استثمرت جيداً في هذا المجال وبدأت تجني الثمار. علينا أن نوفر الموارد في مجالات قد تبدو غير ذات أولوية الآن للإنفاق على هذا المجال التكنولوجي المهم.
وأن نضمن توسع الجامعات في هذه العلوم الحديثة، بل وأن نقنع الأجيال الجديدة بأهمية الإقبال على هذه العلوم، لأنها ببساطة وظائف المستقبل، وعلمت أن جامعات مصرية حديثة فتحت أبوابها مؤخراً، وصارت تدرس مثل هذه العلوم الجديدة.
النقطة الثالثة، تتعلق بضرورة توفير هامش مهم من حرية البحث العلمي للمؤسسات والجامعات، بما لا يمس الأمن القومي، فيما يتعلق بهذه المجالات التقنية الجديدة.
وأرجو أن تتنبه الأجهزة المتخصصة، والمجلس الأعلى للجامعات، إلى أهمية التأكد من جدية كل من يعمل في هذا المجال، سواء كان فرداً أو هيئة أو جامعة، وألا يكون يبيع لنا أوهاماً سرمدية في عبارات لطيفة!!
الموضوع مهم وحيوي لمستقبل مصر، وأرجو أن يتم فتح النقاش فيه بكل حرية، حتى نضمن تحقيق ما نصبو إليه. وأتمنى أخيراً أن يكون هذا الأمر هو الشغل الشاغل لكل البلدان العربية شعوباً وحكومات، لأنه من دون الالتحاق بالعصر وعلومه ومعارفه، فسوف نظل في ذيل الأمم، ونظل نتصارع على قضايا شكلية وشديدة التخلف، بدلاً من الانشغال بالمستقبل الحقيقي.
* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية