ماذا يعرف المواطن عن التضخم النقدي؟*

عندما تزيد الحكومة من كميات النقد الورقية المتداولة، فإن النتيجة الحتمية هي أن القوة الشرائية للوحدة النقدية سوف تتجه نحو الانخفاض، كما تأخذ الأسعار بالارتفاع وهذا هو ما يسمى "بالتضخم".
لا توجد هناك طريقة سرية لحل مشاكل الحكومة؛ إذا احتاجت إلى المال فعليها أن تحصل عليه بفرض الضرائب على مواطنيها أو في ظروف معينة اقتراض المال من أولئك الذين يملكونه، ولكن معظم الحكومات تعتقد بأن هناك طريقة أخرى للحصول على ما تحتاج إليه من مال بكل بساطة بطباعته.
قد تفكر الحكومة بأن التضخم كوسيلة لجمع المال هو أفضل من فرض الضرائب الذي يكون دائما عملا صعبا ومكروها، وفي العديد من الأمم الفتية والعظيمة يخوض المشرعون على امتداد شهور وشهور مناقشات حول مختلف أصناف الضرائب الجديدة التي تصبح ضرورية بسبب أن البرلمان قد قرر زيادة الإنفاق.  وبعد دراسة مختلف أشكال الحصول على رأس المال عن طريق الضرائب، يقرروا أنه ربما يكون أجدى الحصول عليه عن طريق التضخم، فالسياسي الجالس في الحكم والذي يسير في طريق التضخم لا يعلن "إنني ماض على طريق التضخم “، فالطرق الفنية التي تستخدم لتحقيق التضخم معقدة إلى درجة أن المواطن العادي لا يدرك بأن التضخم قد بدأ.
وعادةً من يستفيد من التضخم أولئك الناس الذين جاء إليهم المال أولا ًوهم الآن أصحاب الدخل الأعلى، وما زالوا قادرين على شراء سلع وخدمات كثيرة، وبأسعار مشابهة لتلك التي كانت سائدة في السوق، لذا فإنهم في وضع مُرضٍ جدا.  وهكذا يتواصل التضخم خطوة خطوة من قطاع من الشعب إلى قطاع آخر، وجميع أولئك الذين جاء إليهم المال الإضافي في بدايات حدوث التضخم، قد استفادوا لأنهم يشترون بعض الأشياء بأسعار مساوية لتلك التي كانت عليها النسبة بين المال والسلع سابقا.
أنظر على سبيل المثال إلى بلد كالولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، فمن ناحية أفاد التضخم في ذلك الزمن عمال مصانع الذخيرة ومصانع الذخيرة وصانعي المدافع، ولكنه في الوقت ذاته كان ضد مصلحة القطاعات الأخرى من السكان، وكان أكثر الناس تضررا من التضخم الأساتذة ورجال الدين.
وكما تعلمون فإن رجل الدين رجل متواضع جدا يعبد الله، ويجب أن لا يتحدث كثيرا عن المال، والأساتذة بدورهم هم أشخاص يكرسون حياتهم لتعليم النشء ولا يعيرون بالاً لرواتبهم، ونتيجة لذلك كان الأساتذة ورجال الدين أكثر من عوقبوا بسبب التضخم، لذا فإن هناك فئات متعددة من الشعب تتأثر تأثراً سلبياً متبايناً بسبب التضخم، بالنسبة للبعض منهم التضخم ليس سيئاً بل إنهم يرجون استمراره لأنهم أول من يستفيدون منه.
عندما يفقد الناس اعتقادهم بأن الحكومة سوف توقف طباعة النقد وأنها مستمرة بطباعة العملة دون أية نية بالتوقف، حينها يبدأون بالإدراك بأن الأسعار غدا سوف تكون أعلى مما هي عليها ليوم، وقتها يشرعون في الشراء بأي ثمن مسببين ارتفاع الأسعار إلى المدى الذي يؤدي إلى انهيار النظام النقدي
لأنه غير مرتبط بقاعدة الذهب والتي تتميز أن كمية النقد في ظل النظام النقدي الذي يعتمد قاعدة الذهب تظل مستقلة عن سياسات الحكومات والأحزاب السياسية هي شكل من أشكال الحماية ضد الحكومة المسرفة.
حيث لا يوجد شيء أسهل أمام السياسيين من أن يأمروا الحكومة بطباعة ورق النقد بالكميات التي يريدونها من أجل مشاريعها، أما في نظام تحكمه قاعدة الذهب فإن الحكومة المتزنة تستطيع أن تقول للناس وللسياسيين "إننا لا نستطيع المضي في ذلك ما لم نرفع الضرائب".
ولكن يوجد لهذا التضخم نقطة ضعف جوهرية إنه لا يمكن أن يدوم، لو كان ممكنًا استمرار التضخم إلى ما لا نهاية لكان من العبث إبداء النصح للحكومة بأن لا تمضي بالتضخم، ولكن الحقيقة الأكيدة حول التضخم هي أنه عاجلا أو آجلا، يجب أن يصل إلى نهايته فالتضخم هو سياسة والسياسة قابلة للتغيير لذا فإنه لا يجب علينا أن نستسلم للتضخم والعمل على توقف طبع العملة وبالتالي توقف انخفاض قيمة كل وحدة نقدية، ويجب المحافظة على التوازن في ميزانية الدولة ومن الطبيعي أن يكون الرأي العام داعما لذلك وعلى المثقفين مساعدة عامة الشعب في فهم ذلك.