المصالحة القطرية الخليجية والمكاسب الاقتصادية

بمقال الأسبوع الماضي بعنوان "قمة رأب الصدع وأكثر"، تحدثت عن القمة الخليجية الحادية والأربعين التي عُقدت بمحافظة العُلا بالمملكة العربية السعودية تحت مسمى «قمة السلطان قابوس والشيخ صباح» وما تضمنه البيان الصادر عنها من تطمينات وبشائر خير وبركة بعودة العلاقات الخليجية إلى مسارها الطبيعي بعد أن انقشعت سحابة الصيف التي عَكرت صفو علاقة دولة قطر بالسعودية والإمارات والبحرين ومصر لأكثر من ثلاثة أعوام.

وَبِطي صفحة الخلاف تلك، يتوقع لدول الخليج أن تشهد انتعاشاً في تعاملاتها الاقتصادية والتجارية خلال الفترة القادمة لتعزز بذلك من مسيرة المجلس نحو التكامل والوحدة الاقتصادية لدول المجلس التي انطلقت منذ التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في عام 1982، حيث قد تحققت منذ ذلك الحين وحتى وقتنا الحاضر إنجازات اقتصادية وتجارية عملاقة جسدتها على أرض الواقع إقامة منطقة للتجارة الحرة، وقيام الاتحاد الجمركي، وقيام السوق الخليجية المشتركة، وصولاً بإذن تعالي إلى الوحدة الاقتصادية المنشودة بين دول المجلس بحلول عام 2025.

توقعت دراسة أعدّتها دائرة الأبحاث في مجلة "الاقتصاد والأعمال" اللبنانية، أن تستفيد اقتصادات السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر وقطر – بنحو 8 مليارات دولار أميركي في العام الحالي مع عودة العلاقات التجارية إلى ما كانت عليه قبل القطيعة، هذا بالإضافة إلى عودة التدفقات المالية من الاستثمارات المباشرة بين هذه الدول وعودة الحركة السياحية ولا سيما مع انحسار خطورة فيروس كورونا كوفيد -19 المستجد. كما وستساهم هذه العوامل في نمو الناتج المحلي للدول وسيكون هناك تحسن مرتقب في أسعار الأسهم والقيم السوقية للشركات المدرجة والتي تأتي على رأسها تلك التي كانت تنشط على خط الاستيراد والتصدير من وإلى قطر.

وقد أشارت الدراسة إلى نتائج وتحليلات تاريخية نشرت بموقع World Integrated Trade Solution عن حجم التبادل التجاري بين دولة قطر وبقية الدول الأربع الخليجية، حيث على سبيل المثال في عام 2016، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين قطر والدول الأربع نحو 9.5 مليارات دولار أميركي، ولكن سرعان ما انخفضت هذه القيمة إلى نحو 1.6 مليار دولار في العام 2018. وقد اقتصرت معظم الحركة التجارية على تصدير الغاز الطبيعي من قطر إلى الإمارات ومصر في حين انعدمت الصادرات القطرية إلى كل من السعودية والبحرين، وكذلك الحال بالنسبة إلى واردات قطر من هذه الدول الأربع التي قد تراجعت من 4.9 مليارات دولار أميركي في العام 2016 إلى 85 مليون دولار أميركي فقط في العام 2018.

وتوقعت الدراسة مع عودة علاقات دولة قطر مع بقية الدول الخليجية، أن تستفيد عشرات الشركات من خلال تصدير منتجاتها وخدماتها مجدداً، مما سيرفع من إيراداتها ويحسن من هوامش ربحيتها. ومن المتوقع أيضاً أن ينعكس ذلك إيجاباً على أسعار أسهم هذه الشركات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت شركة المراعي السعودية، أحد أكبر منتجي الحليب والألبان في العالم، تصدر نحو 5 في المئة من منتجاتها إلى قطر قبل حدوث الأزمة في عام 2017، وأيضاً سيكون واقع الحال بالنسبة لبقية الشركات التجارية واللوجيستية والصناعية من بتروكيماوية وشركات الإسمنت والتعدين وغيرها.

كما وتوقعت الدراسة أن ترتفع الاستثمارات المباشرة مجدداً بين دول الخليج ولاسيما وأن جميعها يعمل على تنمية قطاعات مهمة تتطلب استثمارات محلية وخارجية. ومن القطاعات المتوقع ان تستقطب استثمارات من الدول الأخرى، قطاعا الترفيه والرياضة في السعودية، اللذان قد يكونا قطاعا جذب للمستثمرين من بلدان أخرى بما في ذلك دولة قطر، وكذلك قطاع البناء وتطوير البنى التحتية في قطر الذي من الممكن أن يستقطب استثمارات من شركات سعودية وإماراتية ومصرية وبحرينية.

برأيي أن نتائج الدراسة وتوقعاتها متفائلة تفاؤلاً في محله، سيما حين النظر إلى النتائج التاريخية الإيجابية المتحققة في الماضي من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاع حجم التجارة البينية بين دول المجلس بعد قيام الاتحاد الجمركي في الأول من يناير عام 2003 من 10 مليارات دولار في عام 1993 إلى 15 مليار دولار عام 2002، وبمعدل نمو سنوي بلغ 6%، وارتفاع حجم التبادل التجاري البيني بمعدل نمو سنوي بلغ 24% خلال الفترة من 2003 ـــ 2013.