عدن في الأول من مايو عدن

يطل علينا الأول من مايو عيد العمال العظيم، وبلدي اليمن لازال يرزح تحت وطأة الحرب، حرب تستهدف تاريخ وارث حقبة من النضال القومي والوطني , كانت مدينة عدن منبعه ومصدر الوهج , عدن نشأة الحركة العمالية من خمسينات القرن المنصرم، وفي اول مايو من كل عام تتوشح عدن بحلة زاهية احتفاء معبر عن القيمة المعنوية والاعتبارية للعمل والعمال و مهرجانات واحتفالات مهيبة.
 
 مجتمع عدن بمعظمه اسر عمالية وأبناء عمال، عدن الميناء والمصفاة وشركات الملاحة وأحواض السفن والشحن والتفريغ والاستيراد والتصدير والبناء والعمران، عدن شريان تجاري ينبض حياة وحركة ونقطة وصل بالعالم، أين هي عدن اليوم في هذا العالم؟!
 
 عدن التاريخ، وزخم المجلس العمالي في 56م، وهج وطني ثوري، هنا نشأة الحركة الوطنية اليمنية، من هنا ترسخ وعي و تولد تحت رزح الاحتلال البريطاني، هنا نظم العمال كيانهم المستقل الحر، وشيدوا مبناهم المدور في منطقة المعلا بحر مالهم واشتراكاتهم، مع مرور الوقت استكمل المسرح العمالي المرفق للمبنى، ومطبعة صوت العمال الشهيرة، والمدرسة النقابية بالقلوعة، معالم وارث تحكي تاريخ وحضارة هذه المدينة العريقة السباقة في النهضة والتقدم والوعي الثوري التحرري, ودور الحركة العمالية كنواة للحركة الوطنية.
 
تهل علينا اليوم هذه الذكرى، وعدن تتوشح بالظلام الدامس , والحزن الجاثم على ناسها , المدينة الضحية , ضحية ثورة سيطر عليها العنف , والعنف يفرض على الواقع ادواته , و أدوات العنف بالضرورة تفرض مزاجها , مزاج خارج إطار اللاوعي , تتصدره عصبية وجهل وتخلف وشطط وعدم فهم , أدواته من الحماس والتهور والغباء , الذي يرى الثورة من منظور عفى عنه الزمن , ونعيش اليوم مخلفاته ومالاته , منظور ثورة ثورة لا اصلاح , المنظور الكارثة , ان الثورة هي تجريف الواقع بكل ما فيه , تجريف متهور يبدأ بتجريف ارث وتاريخ وحضارة امة , ويحرمها من إنجازات وثمار الاسلاف , ويبدأ يؤسس من جديد لواقع بمنظور الانا والانانية  , يرتب به أوراقه الأكثر نفاقا ومزايدة على الناس باسم ثورة لا يعون قيمها ومبادئها وأخلاقياتها .
  
الثورة هي محصلة وعي جمعي للتغيير نحو الأفضل , لها قيمها وأخلاقياتها المنظمة للتغيير , تدير شئونها نحو إصلاح ما هو قائم من حيث انتهى الاخرين , و للأخرين انجازاتهم  الإيجابية كما لهم من السلبيات , في واقع ملي بالثمار الطيبة , غني بالإرث الحضاري , وانجازات سنوات وقرون من الجهود والأفكار المتراكمة , لا يمكن ان تأتي أنت من فراغ لتهد هذا الإرث , وتضع أوراق هشة ورديئة مكانه , وتتحدث عن ثورة وتغيير وتجديد .
 
 
تهل علينا ذكرى الأول من مايو هذا العام في عدن المكلومة , بحزن لا يقتصر على فقدان الخدمات وسبل الحياة الكريمة , بل امتد ليهدد ارثها ومعالمها وحضارتها وتاريخ اسلافها , يأتي في اطار ذلك استهداف الحركة العمالية , بدأ بالبسط على مبنى المدرسة النقابية , وتقاسمها مساكن عشوائية , وهكذا استهدف المسرح العمالي والمدرج , ومطبعة صوت العمال , فككت لتباع خردة , كل هذا حدث في حالة ثورة سيطر عليها العنف , وفقدت أدوات الوعي , وارتفع فيها صوت اللاوعي ,صوت جهل البندقية , ونعيق  المنافقين والافاقين والمزايدين , جعلوا من الثورة مصدر وصول وإثراء , انتجوا زوبعة من لوثة الجهل , استهدفت  تاريخ وارث قرن واكثر من خلاصة نضال امة عريقة , وحركة وطنية وعمالية عتيقة كانت عدن منبعها ومصدر إشعاع , وتنوير للمنطقة والإقليم .
 
واجهت الحركة العمالية التحديات والصعاب  منذ الاستقلال , في فترة حزب الطبقة العاملة , رفع من شأنها ايدلوجيا , واستخدمها سياسيا , وكانت جزءا من النظام , واستهدفت بعد الوحدة باعتبارها جزءا من ذلك النظام المستهدف , كل هذا و ظلت عصية , تقاوم , وتعيد ترتيب اوراقها من الداخل , واليوم تستهدف بنفس السبب ومن نفس العقلية .
 
 تمنيت ان يكونوا صادقين في إصلاح حال الحركة العمالية , من خلال دعم تحرر العمل النقابي من سلطة الحزبية والسياسة , عمل دورة انتخابية كاملة حرة ونزيهة , يتم من خلالها تطعيم الهيئات بدماء جديدة , لكنهم أرادوا تجريدها من كل كوادرها وقيادتها , أرادوا اعادة تشكيل نقابات تخصهم , او بالأصح عربات نقابية يجرونها لخدمة مزاجهم السياسي , نسف الادبيات والوثائق , البسط بالعنف على المقرات , عسكرة المبنى العتيق للنقابات , وخلق شرخ عميق في جسد الهيئات , وتدمير ممنهج للحركة وشل نشاطها , واليوم كوادرها مطرودين , بأقصاء وتهميش غير مسبوق , وآتوا ممن لا علاقة له بالعمل  والعمال والحركة لا من قريب ولا من بعيد , ونصبهم قادة , مع تطعيم القليل من الأدوات القابلة للتوظيف  .
 
هي ذات سياسة التفريخ , الذي استخدمها النظام المستبد وفشل , ويكررها اليوم أبنائه وسيفشلون , النقابات لا تنشأ في قاعات مغلقة , يحضرها موالون , ومنافقين وافاقين , فعندما تنتهي مصالحهم ,تبرز للسطح أطماعهم , فتدب في أوساطهم خلافات الكراسي , حول كيان هش , جعل من مبنى نقابي وحقوقي ومنبر ثقافي وفكري , لساحات صراعات مسلحة عن الكرسي , بغباء التخطيط والتنفيذ .
 
في هذه المناسبة نخجل فيها أن نقدم التهاني للعمال، ماذا سنقول لهم؟ وعلى ماذا نهنئهم، على غياب الراتب، والحقوق المسلوبة، والعدل والإنصاف الغائب، والفساد المستشري، وكرامة الإنسان المهانة، ولوثة الجهل التي انتجت العبث الذي طال تاريخ وارث وحضارة عدن ومنها الحركة العمالية , يا قهري عليك يا عدن .
 

مقالات الكاتب