كثر الجدل بين مؤيد ومعارض لاستعادة تاريخ واسم وكالة عريقة مرتبطة كلياََ بروح وكيان الدولة في الجنوب ، ولست هنا لأثبت أحقية ومشروعية الإقدام على هذا الأمر من عدمه ..
ولكن من وجهة نظري الشخصية والبعيدة أرى أن هناك أمور أهم من قضية استعادة مبنى واسم وكالة عدن للأنباء التي كغيرها تم طمس معالم الدولة في الجنوب بشكل عام وعلى كل المستويات والأصعدة دون استنثاء وبصورة تنم عن حقد دفين على تلك الدولة الفتية التي برزت كدولة صناعية مكتفية ذاتياََ ومعتمدة على نفسها تنعم بالأمن والأمان و بالنظام والقانون ، فلا بطالة ولا هجرة ونسب الفقر و الأمية اقل بكثير جداََ من عدة دول عربية ومن المحيطون بها من دول الإقليم ومنها صنعاء وهو ما جعلهم يرون في تلك الدولة خطر عليهم كونها تفضح سياستهم وإدارتهم لبلدانهم ؛ وكذا خشية من زوال عروشهم ونقمة شعوبهم ..
وعودة إلى موضوعنا حول استعادة الوكالة او كما يحلو لبعضهم تسمية ذلك باقتحام الوكالة
وأوجه لكم جميعاََ هذا التساؤل فأقول :
هل الأولى استعادة مجرد مبنى غَيَّرَ المحتل اسمه الى وكالة سبأ وقد كان يعرف بـ وكالة عدن للإنباء ، أم هل سيغير شيئاََ من واقعنا المؤلم أو سيأتينا بالجنوب وبالدولة المغدورة ،
أم أن قوة الإقتصاد هي الضامن لانتشالنا مما نحن فيه وبالتالي هو الطريق الصحيح لاستعادة ماضينا التليد بإقامة الدولة على أرضية صلبة وقوية لا تتزحزح أبداََ ..
وبالتالي أولى الأولويات هو استعادة مصانعنا و منشآتنا العملاقة التي تم تعطيلها والإستيلاء عليها و منها من تم تحويل نشاطها من خدمة للصالح العام إلى منشآت خاصة ولازالت تخضع للمحتل وأذنابه !!
ثم أليس من أوجب الواجبات أن يتم استعادة نشاط ودور وإسم ما كانت تسمى في عهد الدولة الجنوبية بـ شركة النفط الوطنية وعودة مهامها واختصاصاتها واحترام منظومة عملها من قبل الجميع دون تدخل وعرقلة لعملها من قبل تلك الجهة أو غيرها سواءاََ كانت سياسية أم أمنية وجعلها فريسة للوبي النفط وزبانية الفساد ، وبدل أن نتركها منذ العام 90م بعد أن تم تغيير أسمها إلى شركة النفط اليمنية وتعمد وقف أنشطتها المختلفة في الإستيراد والتسويق لكافة أنواع الوقود والزيوت والشحوم لجميع المركبات والطائرات والبواخر ليتم إدخال شركائهم و وكلاء نظام صنعاء للتحكم بها من المركز وجعلها فرع مهمش يتبع الأصل وهي أي شركة النفط الوطنية الأصل والفصل والصرح العملاق والرافد الوطني الأول للجنوب ، وهنا مربط الفرس إن أردنا الخلاص وتحقيق استقرار اقتصادي ومعيشي والقضاء على الأزمات المفتعلة من هنا وهناك وذلك بتوفير المشتقات وبأسعار رسمية مخفضة وجودة مطابقة للمعايير العالمية ، وليس كما يتم اليوم من تدخل جهات حكومية ليس لتسيير عمل الشركة بانتظام ولدعم المشتقات النفطية بل لعرقلتها وجعلها رهينة بيد بضع تجار ولشركات وهمية تتحكم بالوقود وهم جميعا أقزام لا يساوون شيئاََ أمام عملاق وشركة رائدة في الإستيراد و التسويق النفطي على مدى عقود من الزمن ؛ وكذا تدخل بعض القيادات سياسية كانت أم أجهزة امنية وكلها تفرض جبايات طائلة ونسب خيالية تذهب لحسابات خاصة بهم دون اكتراث ولا أدنى تفكير في الحفاظ على هذا الصرح ، وان تلك التصرفات والتدخلات السافرة تسهم في إضعاف نشاط الشركة وهي الواجهة أمام المواطن والمكلفة بتوفير المشتقات النفطية للسوق المحلية ، وهذا الخلل يُمَكِّن أطراف أخرى للقيام بدور الشركة في التسويق وبالتالي يتم رفع أسعار المشتقات النفطية بشكل جنوني وفوضوي ، وهذا الأمر لا تتحمله الشركة بل هو تراخي دور الجهات المسؤولة الحكومية والمحلية والأجهزة الأمنية في تغليب مصالحهم الخاصة كما أسلفنا على حساب المصلحة العامة للمواطن والذي تقوم به شركة النفط الوطنية ..
لذلك إن أردتم ان تبقى الشركة راسخة ثابتة كما كانت في سابق عهدها لخدمة الوطن والمواطن لابد من تحييدها من المماحكات السياسية والتدخلات الغير قانونية وتسهيل تعاملاتها دون وضع العراقيل تجاه تنفيذ عملها كونها شركة وطنية بامتياز والواجب أن تحظى بامتيازات خاصة حتى تستمر في مهامها بصورة مثالية ودائمة ، وهو أمر واجب جميعاََ للحفاظ على ما تبقى من مؤسساتنا الإيرادية الهامة والعمل بإصرار وعزيمة لعودة كل القطاعات الحيوية كـ مصافي عدن والمصانع والمنشآت النفطية الإستراتيجية وغيرها وكذا المباني الحكومية المنهوبة ، هذا إن أردنا العمل بصدق لعودة الدولة في الجنوب وليس بالشعارات ولا بالقفز إلى طموحات وآمال لا تتحقق بالكلام والأحلام بل بإرساء أساس متين وملاك ذلك كله الإقتصاد والتنمية المستدامة ؛ فلا يعقل أن يتحقق هدفنا باستعادة الدولة ونحن نعيش كـ عبيد وعالة على ما يتصدق به علينا أسيادنا ونحن نملك ثروات وموارد هائلة ، ولا وفق ما يملى علينا منهم بما يتناسب ومصالحهم لا مصالحنا !!
فقوتنا الإقتصادية تجعلنا أعزة و أحراراََ
وبها يحترمنا الكل وتُحتَرَم خياراتنا .