لماذا لا تعود إلى اليمن!!!!!
■ عندما أكتب منشور، يقول لي الكثير من الاخوة: "لماذا لا تعود إلى اليمن ؟" والسؤال وإن كان ظاهره البراءة، فإن باطنه التهكم والتشكيك في مصداقية ما اطرح من افكار، ولذلك وجب التوضيح، رغم أنني تحدثتُ عن الأمر من قبل منذ سنوات.
فالصراحة الوضع اليمني معقد وانعكس ذلك علينا ايضا، فلا يوجد هدف أو مشروع نضحّي من أجله لنحلم به ينمو ويتحقق بنا وانما نعيش الفشل اليمني بثلاثية الأبعاد - العبث والاحتراب والاغتراب - هي ما يرسم مسيرة حياتنا عبر عقود عدة في إطار الجهود المهدورة . لقد عدت فعلاً إلى اليمن بعد إكمالي الماجستير، وحاولت الحصول على منحة للدكتوراه من اليمن لكنهم رفضوها رغم توفر جميع الأوراق والقبول لكن لم يكن معي وساطات كما يفهم. ووجدتُ الألمان يفتحوا الباب و يدعمونني مالياً لأكمل دراسة الدكتوراه لديهم، فلم أتردد، وبعد أن أنهيتها رجعت مرة أخرى إلى اليمن ايضا، مع أنني كنت أملك فرصة عمل هناك أيضاً، وكان المستقبل واعداً أمامي.
قدمت أوراقي إلى الجامعات والكليات اليمنية، وفي إحدى الكليات ردّ عليَّ العميد قائلاً: "نحن نبحث عن أشخاص لديهم ماجستير لأنهم أفضل لنا في التدريس من حملة الدكتوراه"، أي بمعنى آخر: "ربنا يسهل عليك" وقد فهمت رسالته. وعميد كلية أخرى سألني: "ماذا جرّك إلى هنا بعدما كنت في ألمانيا؟"، وكأنه يفهم من عودتي أنني لم اجد شيء في المانيا بمعنى فاشل رجعت انافسهم وربنا يسهل عليه ايضا. أما رئيس قسم ، فقال لي إن عندهم أساتذة من العراق وطلب مني أن اتحدث معهم إن كان هناك احتياج، وبالصراحة تحدثت معهم وكانت الإجابة أن تخصصي قد اكتُفى به. وفهمت الرسالة كما هي. وقلت وقتها: الله غالب، ما في فرصة في صنعاء حيث الاهل ولم اجرب بقية المحافظات بصراحة، أو احتمال يحتاج الشخص سنوات يركض ليصل لوظيفة في اليمن.
المهم عني، طرقت الأبواب مراراً على مدى شهرين للبحث عن بصيص أمل، وانتهى بي الأمر أن تنازلت وذهبت إلى كلية المجتمع لأنها في طور التكوين، وقلت لنفسي: "مش شرط تكون جامعة، المهم أن تكن بين اهلك وتخدم اليمن". وبعد اللقاء معهم لم أجد شيئاً ايضا، واكتشفت أنهم فقط يأخذون مدرسين بالساعات، أي يُفهم أن بإمكانهم إعطائي عقد ساعات في كلية المجتمع. وهناك قصص طريفة وحزينة وتفاصيل مختلفة من تلك اللقاءات تستحق أن تُدون في منشورات أو مذكرات. اذكر في اخرها واخي بجواري خرجت ومسكت الاوراق وصور الشهائد وقطعتهن ورميت بهن وقلت يكفي . المهم أتذكر والدي رحمة الله عليه، كلما كنت أعود من لقاء كان يقول لي: "ها كيف عملت؟"، فأقول له: "شتسبر"، لكنني كنت أدرك أن دعواته معي، وأنه يريدني أن أعود إلى ألمانيا لأنه يعرفها ويعرف أنها المكان الصحيح لي.
وبعدها اقتنعت أن كل شيء مسير لما خُلق له، وأنني أبريت ذمتي وعهدي.ولم أتخلّ عن أي التزام في حياتي، ولم أنزع يدي حتى نزعوا أيديهم قبلي، وقلت وقتها اليمن نعود لها في محطة قادمة من حياتي. والمحطة القادمة كانت بعد ذلك ب12 سنة تقريبا وكانت مثيرة، لانها كانت في عام 2014 ، وهي مرحلة تحتاج منشورات طويلة، لكنها كانت اهم مرحلة وفرصة تغيير اليمن بشكل حقيقي لاسيما وقد اتفقت فيها مع الرئيس هادي على مشروع استراتيجي يغير اليمن وترك اثر للابد. واعود واقول أن كل شيء مسير لما خُلق له.